بكتيريا التواصل الاجتماعي

آراء 2025/01/19
...

 د. هاني عاشور 


حين ظهر مصطلح التواصل الاجتماعي للعلن مع ثورة التكنولوجيا الرقمية قبل عقود قريبة من الزمن، كانت الفكرة السائدة لمن تقبل هذا المصطلح أن منظومة اخلاقية اجتماعية بدأت تحكم العقل البشري، وتقرب المسافات بين افراده، لاغية خصوصيات المعتقدات والأيديولوجيات والاجناس البشرية. 

وبعد سنوات على استخدام الأفراد من كل العالم هذا التواصل الاجتماعي، بدأت تظهر مفارقات غريبة سرعان ما تحولت إلى عناصر هادمة للأخلاقيات المجتمعية، حتى بدأت مؤسسات القانون في العالم تتعامل مع النمط الجديد من العلاقات عبر التواصل الاجتماعي على أنها (جرائم) أو خروق، وذهبت أكثر مؤسسات القانون في العالم إلى تشريع قوانين ضبط السلوكيات عبر هذه الايجابية التقنية العالمية التي كانت من أهم انجازات عصرنا الحديث.  وقد صادقت معظم البرلمانات في العالم على تشريع قوانين تحد من ظواهر الاستخدام غير المنضبط لهذه السلوكيا، التي تم اعتبارها خرقا لأخلاقيات النظام الاخلاقي، وقد صاحب كل ذلك ظهور مصطلحات جديدة أو نشوء استخدامات جديدة لمصطلحات بدلالات تنسجم مع تلك الخروقات، مثل (التنمر)، (التوحش)، (الاشاعات) (المحتوى الهابط) (التشهير)، (القذف) (الابتزاز) وغيرها من مصطلحات جديدة، لم نكن قد سمعنا بها في هذا المجال التقني، ما اضطر شركات الاتصالات الرقمية، والموقع الالكترونية إلى تغيير تقنياتها وتحديثها بما ينسجم وحصر أو إلغاء ما يمكن أن يخدش الحياء المجتمعي، ويصنع ضوابط جديدة للتحكم في اساليب التواصل الاجتماعي وضبط آلياته وتداولاته. 

لقد كانت الشركات تتسابق في تطوير تكنولوجياتها لمواجهة ما يمكن ان أُطلق عليه مصطلحا جديدا هو (البكتيريا الالكترونية)، أن هذه البكتيريا الضارة التي تسلب صحة العقل البشري ، وتزيده ارهاقا وتعمل على تفكيك الاخلاقيات وعلى الرغم من توسعها، إلا أنها ما زالت غير قادرة على مواجهة هذه البكتيريا. لقد لجأت بعض الدول التي لم تتمكن من التوصل للتكنولوجيات الحديثة إلى استخدام القضاء والعقوبات لمواجهة هذه البكتيريا الالكترونية، عبر المحاكم والعقوبات المشددة أو المخففة أو الغرامات، في الوقت الذي لم تتمكن فيه من اغلاق حسابات العناصر التي تتبنى نشر هذه البكتيريا الضارة. 

وفي جانب آخر أصبحت بدعة سرقة الحسابات الرقمية، لأغراض السرقات المالية التي وصلت بعض ارقامها الى الملايين، واحدة من سرقات المهارات الفنية الكبرى من دون ترك أي أثر للجريمة، مع تطور الكفاءات البنكية رقميا، والتداول عبر التكنولوجيا الرقمية، اضافة إلى ما الحقته من اضرار نفسية نتيجة الابتزاز غير الاخلاقي والتي ادت إلى فواجع السقوط الاخلاقي أو الانتحار، أو أنواع الابتزازات التي لم تكن تخطر على بال أحد قبل عقود وربما سنوات.  لقد وقع الضرر الأكبر في تغول تلك البكتيريا الالكترونية التي تحولت لوحش كاسر يهدد الإنسان، الذي يشعر أن مواقع التواصل الاجتماعي انما هي تشكيل جديد للفكر البشري، وانتماء للعالمية من مكان قصي لاختراق الحواجز الجغرافية. 

إن أكثر من يقع ضحية لهذه البكتيريا الالكترونية التي لا يمكن معالجتها بتطور الصيدلة، التي تتطور رقميا حتى الآن، هي الدول التي لا تمتلك المهارات الالكترونية الراقية، وأصبح ذلك أبشع ما يهدد أمنها، ونظامها السلوكي والأخلاقي وقدرتها على تجاوز الازمات، وحتى لو شعرت تلك الدول عبر منظومات بسيطة إلى استخدام آلية التكذيب لما يرد عبر التواصل الاجتماعي فإنها غير قادرة على تجاوز سرعة الانتشار الرقمي وتفتيت تجمعات البكتيريا الإلكترونية الضارة.