العدالة الانتقاليَّة في سوريا

آراء 2025/01/19
...

 نجاح العلي *


مصطلح العدالة الانتقالية بحسب اللجنة الدولية للعدالة الانتقالية هي "الطرق التي تعالج بها البلدان الخارجة من فترات الصراع والقمع، انتهاكات حقوق الإنسان واسعة النطاق أو الممنهجة والتي تكون عديدة وخطيرة للغاية بحيث لايتمكن نظام العدالة العادي من تقديم استجابة مناسبة بشأنها" وأدوات تنفيذها تشمل الاجراءات اللازمة في الملاحقات الجنائية المحلية والدولية للجناة، ولجان كشف الحقائق، وبرامج التعويضات وإعادة الحقوق للمتضررين أو لعائلاتهم، والكشف عن المقابر الجماعية، وتقديم الاعتذارات، والعفو، والنصب التذكارية، والأفلام، والأدب، والبحث العلمي، وإعادة كتابة الكتب المدرسية، والتدقيق، وأنواعاً مختلفة من الإصلاحات المؤسسية لمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان".

للعراق تجربة غنية في العدالة الانتقالية تمخض عنها اصدار قانون المساءلة والعدالة واصدار قوانين وتشريعات لتعويض أسر الشهداء والسجناء السياسيين وتوثيق الجرائم وبخاصة المقابر الجماعية وجمع الادلة والوثائق والمستندات وفهرستها وارشفتها وتوثيقها صوريا واعلاميا واجراء مقابلات مع الضحايا وشهود العيان وتوثيقها فيديويا واقامة النصب والتماثيل للضحايا والشهداء مثل نصب حلبجة في إقليم كردستان، الذي أصبح مزارا محليا ودوليا يزوره الزعماء السياسيون، كونه يمثل شاهدا على الضحايا الذين سقطوا جراء ممارسات النظام السابق، فضلا عن اتخاذ التدابير اللازمة لمنع تكرارها سابقا والتأكيد على أهمية انفاذ قوة القانون في محاسبة المتهمين بممارسات القتل والتعذيب بعيدا عن الثأر الشخصي وامكانية تخفيف الاحكام أو العفو عن المذنبين في فترات لاحقة مع تقديم اعتذارات للضحايا وذويهم وفتح صفحة جديدة للتعايش السلمي بعيدا عن دوامة الحقد والانتقام.

هناك بعض الأمور حالت دون أن تحقق العدالة الانتقالية في العراق أهدافها وفق ما يفترض ان يتحقق ويختزل الوقت بسبب التدخلات الخارجية في حينها ودخول مجاميع ارهابية خارجية عمدت إلى اثارة النعرات الدينية والمذهبية والطائفية والقومية والعرقية وممارستها للقتل العشوائي والاغتيالات ومحاولاتها تمزيق النسيج المجتمعي للشعب العراقي، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل لكنها أسهمت في اطالة فترة العدالية الانتقالية التي كلما قصرت وحرقت مراحل التنفيذ كلما اسهمت في التحول السريع نحو الاستقرار السياسي والاقتصادي والتلاحم المجتمعي والتنمية.

البلدان المتعددة المكونات مثل سوريا بامكانها الاستفادة من التنوع المجتمعي وتحويله إلى مصدر قوة وليس مصدر ضعف عبر الاتفاق على دستور موحد وجامع ومقبول من جميع الاطراف يراعي عدم تهميش المكونات والأقليات، واعتماد مبدأ المواطنة وقوة القانون في حل الخلافات بعيداً عن التهديدات وجعجعة السلاح وضرورة حصره بيد الدولة، لأن الشوفينية والتعصب تمت تجربتهما واثبتا فشلها طيلة العقود السابقة، والاحتكام إلى صناديق الاقتراع في تمثيل المكونات في البرلمان السوري، بغض النظر عن طبيعة النظام المقبل برلماني أم رئاسي أو حتى ملكي لاعمار هذا البلد، الذي عانى الكثير من التعسف والظلم وكبت الحريات والصراعات والاقتتال الداخلي فضلا عن التدخلات الاقليمية في شؤونه الداخلية، التي حالت دون تحقيق الاستقرار الذي ينشده السوريون جميعا.