بناء قطاع سياحي حقيقي

آراء 2025/01/20
...

 سالم مشكور


اعلان الجامعة العربية مدناً عربية كعواصم لنشاطات مثل الثقافة والاعلام والسياحة وغيرها هي مجرد إجراء شكلي طابعه احتفال بروتوكولي لا قيمة حقيقية له. وهذا العام اعتمدت الجامعة العربية بغداد عاصمة للسياحة العربية. ببساطة سيسأل من يسمع الإعلان: وأين هي مقومات السياحة وامكانياتها في العراق، حتى تكون بغداد عاصمة للسياحة العربية. 

كان اقتراحاً من العراق ورحبت به الجامعة العربية، لكن الصديق عمر حسن العلوي مستشار رئيس الوزراء، وبتكليف السيد السوداني يحاول أن يجعل من هذا الإعلان خطوة ذات فائدة للعراق، فالجامعة لا تقدم شيئا للعراق، لكن يمكن للعراق أن يجعله مناسبة لفتح ملف السياحة الغائبة عن كل حكومات العراق منذ عشرات السنين. على الأقل لتحديد مواطن الخلل والنقص والبدء بمعالجتها.

قطاع السياحة هو أحد القطاعات الذي لم يلقَ من يعرف قيمته أو مقدرته على النهوض بالاقتصاد العراقي. نتحدث عن عراق ما بعد ٢٠٠٣، الذي لم نشهد فيه وعيا بأهمية السياحة وقيمة الكنوز، التي نملكها والتي بإمكانها وضع العراقي في طليعة الدول السياحية في المنطقة. نملك الآثار التي تملأ باطن الأرض وسطحها، والتي يمكن أن تستقطب ملايين السيّاح من أنحاء العالم، ونملك الطبيعة الجاذبة في أماكن عديدة من البلاد بينها الاهوار، وكذلك نهرا دجلة والفرات اللذان تحوّلا إلى مصبّ لمياه المجاري. لدينا معالم تاريخية مثل المدرسة المستنصرية، التي باتت خربة، والبيوت القديمة التي يمكن أن تتحول إلى مزار للسياح، لكنها تسير نحو الاندثار رغم تصنيفها بالتراثية، فضلا عن الأماكن الدينية الخاصة بالديانات الثلاث ومراقد الأنبياء والأولياء الذي لهم ملايين الاتباع في العالم، وغير ذلك الكثير الكثير لكننا ما زلنا بلداً غير سياحي.

وحتى يصبح العراق جاذباً للسيّاح، لا يكفيه أن يملك الأماكن، بل يحتاج إلى عقلية ورؤية تجعل من هذه الأماكن قبلة للسيّاح. نحتاج إلى أن نتسلح بالثقافة السياحية، ومن البديهيات أن يتوفر الأمن الذي يطمئن السياح. نحن لا نملك الاخلاق السياحية، لكنها يمكن أن تكتسب نسبياً بالتدريب في معاهد مختصة وعلى يد مختصين من خارج العراق. 

ببساطة لنسأل لماذا تنجح السياحة في دول عربية مثل لبنان وسوريا (قبل أحداث العقد والنصف الماضية)، ومصر التي تشكل السياحة جزءاً كبيرا من مواردها؟. الجواب هو انها تمتلك رؤية وإدارة للسياحة مع ثقافة سياحية وسلوك شعبي جاذب، وهو ما تفتقده الشعوب التي يغلب على سلوكها طابع البداوة من خشونة في التعامل، رغم الطيبة والكرم الذي يختفي وراء ذلك. الأردن لم ينجح في صناعة سياحة الّا بعد أن اجتذب السوريين والمصريين اليه، والعراق يحتاج إلى خطوة مماثلة، أو صناعة كوادر سياحية عبر معاهد حديثة مختصة. هذا لا يكفي، فالسياحة تحتاج إلى إدارة تتصرف بقوانين لا توفرها الإدارة التقليدية ولا يمكن أن تنجح في ظل الفساد والتفلّت من العمل والاستقواء بعشيرة أو حزب أو سياسي. يحتاج إلى خدمات لراحة السواح أقلها توفير أماكن الإقامة اللائقة وبأسعار معقولة، هنا يكون الحل هو إناطة السياحة بالقطاع الخاص بإشراف ومراقبة من هيئة عليا للسياحة، وإدارة المشاريع السياحية تناط بشركات أجنبية ذات خبرة في هذا المجال، دون إغفال دور مهم لوزارات أخرى كالداخلية لتسهيل إجراءات توافد السياح وأجهزة الامن لمراقبة دخول مخربين بعنوان السيّاح وغيرهما.

لا ننسى أن الحديث عن السياحة لا يقتصر على السياحة الخارجية، بل أن السياحة الداخلية لا تقل أهمية عن الخارجية. على الأقل بإمكانها توفير متنفسات للناس بدل اضطرارهم للسفر إلى دول لا تملك ربع ما يملكه العراق.

السياحة بشقيها، الداخلي والخارجي، بحاجة إلى ثورة تبدأ من ادراك أهميتها وضرورتها للعراق، كأحد طرق تقليل الاعتماد على النفط وتنشيط الدورة الاقتصادية وتوفير عشرات الآلاف من فرص العمل. 

ليكن اعلان بغداد عاصمة للسياحة العربية للعام ٢٠٢٥ حافزاً لبدء التحرك نحو بناء قطاع سياحي حقيقي وفاعل بعيدا عن الاهواء الشخصية والفساد والتخريب الناتج عن خراب الضمير.