{الصفقة الكبری} بين ترامب وإيران.. هل هي ممكنة؟

آراء 2025/01/20
...

  محمد صالح صدقيان 


وقع الرئيس الايراني مسعود بزشكيان على "معاهدة التعاون المشترك الاستراتيجية" مع نظيره الروسي فلايمير بوتين، خلال الزيارة التي قام بها لموسكو الاسبوع الماضي. الاتفاقية التي تعمل لمدة 20 عاما جاءت تجديدا لمعاهدة سابقة وقعت عام 2001 انتهت في العام 2021 والتي كانت تنص على سريان بنودها لحين رغبة البلدين بتجديدها من عدمه. لكن البلدين ذهبا أبعد من ذلك عندما قررا إعادة صياغة بنود المعاهدة لتكون منسجمة مع التطورات والأجواء السائدة في المنطقة والعالم، إضافة إلی تلبيتها لاحتياجات البلدين والتحديات التي تواجههما.

الاتفاقية احتوت على ديباجة و43 مجالا للتعاون بما في ذلك المجالات السياسية والامنية والعسكرية جسدت التوجه الايراني نحو الشرق بعدما انسحب الرئيس الامريكي دونالد ترامب من الاتفاق النووي في ولايته الأولى عام 2018 وفرض المزيد من العقوبات على إيران خصوصا الاقتصادية منها مع زيادة في حدة التهديدات الموجهة لإيران من قبل الكيان الاسرائيلي والولايات المتحدة.

توقيت التوقيع على المعاهدة قبل ساعات من دخول الرئيس الامريكي المنتخب دونالد ترامب للبيت الابيض، حمل عديد الدلائل إن على مستوى المحتوى أو على مستوى التوقيت. المعاهدة شملت التعاون في مجال أمن المعلومات؛ الطاقة ؛ الدفاع ؛ مواجهة الارهاب؛ غسل الاموال؛ الجرائم المنظمة وغيرها من القضايا العسكرية والسياسية والامنية والاقتصادية؛ الأمر الذي توقع المرشد الإيراني الأعلى الإمام علي خامنئي أنها ستؤثر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا التي "ستصبح مركز المعرفة والاقتصاد والقوة السياسية والعسكرية وستنشر فكرة المقاومة ومحورها ضد البلطجة".

إيران كانت قد دخلت سابقا مع الصين ووقعت على برنامج عمل استراتيجي مشترك بقيمة 450 مليار دولار لمدة 25 عاما إلا أن ما يفرق بين روسيا والصين أن الثانية لا تريد بأي حال من الأحوال التحرك بمواجهة القرارات الأمريكية وتحديدا ما يخص العقوبات، التي اصدرتها وزارة الخزانة الامريكية، ولذلك فإن تفعيل البرنامج الصيني مع إيران لاقى الكثير من العوائق، بسبب حرص بكين عدم ازعاج واشنطن. لكن الامر مع روسيا يختلف كثيرا بسبب وجود موسكو في العقوبات الأمريكية ورغبتها في ابعاد طهران عن الدول الغربية والامريكية تحديدا لأنها تراقب جيدا مآلات المفاوضات المحتملة بين طهران وموسكو على خلفية إمكانية طرح الرئيس ترامب برنامجا للمفاوضات مع إيران لتسوية جميع القضايا العالقة بين البلدين وهو احتمال لا يستبعده المراقبون للشأن الأميركي.

ايرانيا؛ طهران تجد نفسها مضغوطة بعد التطورات الأخيرة التي حدثت في المنطقة؛ مع زيادة حدة المشكلات الاقتصادية، التي تواجه الاقتصاد الإيراني بسبب اجواء المقاطعة، التي عبر عنها الرئيس بزشكيان في مرات عديدة خلال الاسابيع الماضية. إضافة إلى ذلك أن طهران تشعر أن انضمام الكيان الإسرائيلي لقيادة العمليات الامريكية المشتركة "سنتكام" جعل هناك خلل في قواعد الأمن الإقليمي والذي ظهر واضحا بعد السابع من اكتوبر 2023. وقوف إيران متفرجة على ما حدث ويحدث أمر لا ينسجم مع الطموحات الايرانية؛ خصوصا عندما وضعت سواحل البحر الأبيض المتوسط ضمن أمنها القومي ولذلك فإن التوجه نحو الشرق وتحديدا الصين وروسيا كان طبيعيا لإعادة "توازن الرعب" في المنطقة.

إيران أكدت أن توقيع المعاهدة مع روسيا أو برنامج العمل المشترك مع الصين لا يشرنق العلاقات الخارجية الإيرانية؛ بمعنی لا يمنعها من الانفتاح على بقية دول المجتمع الدولي، سواء في الشرق أو الغربي؛ وهذا ما يعطي رسائل واضحة للدول الغربية أن مثل هذه الاتفاقيات لا يمنع ولا يؤثر في تعامل ايران معها فيما إذا سارت هذه الدول بالمسار، الذي يحترم المصالح المشتركة والاحترام المتبادل. 

في التوقيت؛ حرصت طهران ولربما موسكو ايضا إلى إرسال رسائل للرئيس الامريكي المنتخب والفريق المحيط به مفادها بأن استمرار العقوبات وعدم الدخول في مفاوضات جادة تستند على المصالح المشتركة والاحترام المتبادل أمر لا يخدم المصالح الامريكية في المنطقة؛ وأن ما حدث في 7 اكتوبر 2023 يمكن أن يتكرر بشكل آخر؛ ومستوى مختلف؛ ومنطقة أخری لأن ايران راهنا لا تملك ما تخسره لكنها تستطيع ان تعرقل وتربك الكثير من البرامج والخطط الامريكية في المنطقة أو في غيرها. ايران في ظل حكومة مسعود بزشكيان لا تريد التهديد بقدر ما تريد التوصل لحل لأن الناخب الإيراني عندما وجود نفسه بين المرشحين سعيد جليلي ومسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الاخيرة اصطف إلى جانب بزشكيان الذي شدد على ضرورة حل مشكلات إيران مع الدول الغربية للتوصل لهدف الخطة التنموية السابعة التي تريد وصول نمو الناتج القومي لنسبة 8 بالمئة. 

لقد أثبت تاريخ 45 عاما الماضية تاريخ الجمهورية الاسلامية أن خيار العقوبات لم يعد خيار فاعلا في الضغط على ايران لأنها تعايشت مع هذه العقوبات والتفت عليها ؛ وأن الولايات المتحدة تدرك أن خيار الحرب مكلف لها ولمصالحها الحيوية في المنطقة.

ومع التوقيع على معاهدة "العمل المشتركة الاستراتيجية" مع روسيا فإن إيران الان اصبحت تملك مجالا أوسع للمناورة لتحقيق اهدافها. لذلك الاعتقاد السائد ان التفكير بــ "الصفقة الكبری" المحتملة التي يتم الحديث عنها بين الرئيس ترامب وإيران هو الخيار الأنسب والأفضل لتصحيح مسار السياسات الأمريكية حيال ايران والشرق الاوسط على حد سواء.