بغداد: سرور العلي
تصوير: خضير العتابي
مدينة عقرقوف، واحدة من المدن التاريخية العريقة، تقع جنوب بلاد الرافدين بالقرب من التقاء نهري دجلة وديالى. تعتبر الزقورة الموجودة في المدينة، التي تضم ثلاثة معابد وقصراً، وهي من أبرز المعالم الحضارية الشاهدة على تاريخ حضارة الكيشيين. كما يُنسب بناء الزقورة إلى الملك كيش كوريكالزو الأول الذي حكم المدينة وأسهم في تأسيسها كعاصمة للكيشيين، وهو ما جعلها تمثل مركزاً مهماً في تاريخ العراق القديم.
تعد هذه المدينة اليوم جزءاً من التراث الثقافي العراقي وواحدة من الدعائم المهمة التي تم إدراجها في ملف العراق للمشاركة في اختيار بغداد عاصمة السياحة العربية. الزقورة والمعابد والقصر في عقرقوف تظل شاهدة على العظمة التاريخية للكيشيين وحضارتهم، وتُعد من المعالم التي تبرز تاريخ العراق القديم وأثره في الحضارات الإنسانية.
في حديثه لصحيفة "الصباح"، أشار د. محمد عودة العبيدي، نقيب السياحيين العراقيين، إلى أن مدينة عقرقوف التاريخية تعد من المعالم الحضارية المهمة التي تدعم القطاع السياحي في العراق، بفضل تصميمها المعماري الفريد والفكر الهندسي المتقدم الذي يظهر في بناء الزقورة والمعابد. وأضاف أن المدينة تم إنشاؤها باستخدام مواد صلبة وفريدة من نوعها، كما قام مهندسوها بابتكار مادة مقاومة للظروف المناخية القاسية، ما ساعد في الحفاظ على المعالم الأثرية وحمايتها من تأثيرات التيارات الهوائية. كما أن المدينة تحتوي على منافذ للهواء من جميع الجهات، ما جعلها قادرة على امتصاص الرطوبة ومياه الأمطار في فصل الشتاء.
وأكد العبيدي أن مدينة عقرقوف تتمتع بثلاثة أبعاد رئيسة. الأول البُعد الديني، حيث كانت مكانًا للعبادة وتضمنت طوابق عدة، كان الطابق الأخير مخصصًا لعبادة الآلهة. والثاني هو البُعد الدفاعي، حيث تم تصميم المدينة لتكون محصنة ضد الكوارث الطبيعية مثل الفيضانات وكذلك ضد الهجمات الخارجية، ما يساعد في الدفاع عن حدود المدينة. أما البُعد الثالث فهو البُعد السياحي، حيث تعد المدينة واحدة من أهم الوجهات السياحية التاريخية والأثرية في العراق، وتستقطب الزوار المهتمين بالحضارات القديمة والمعالم الأثرية.
وتابع العبيدي موضحًا أنه في السنوات الأخيرة، أصبحت مدينة عقرقوف تضم العديد من المقاهي التراثية والمطاعم، بالإضافة إلى الأسواق والمتنزهات. وكان هناك نوع من البازارات الخاصة بالحرف اليدوية التي تُصنع وتُعرض للبيع، ما يعكس جزءًا من الحضارة العراقية العريقة. وأشار إلى أن غالبية العاملين في هذه الأماكن كانوا من ذوي التخصص السياحي، وبعضهم حاصل على تدريب من معاهد بغداد للسياحة والفندقة، ما يعكس خبرتهم وقدرتهم على التعامل مع السياح المحليين والدوليين.
كما شدد العبيدي على ضرورة الاهتمام المستمر ودعم تطوير المدينة من خلال ربطها بالخدمات التكميلية مثل المطاعم والمتنزهات وحدائق الأسر، بالإضافة إلى المقاهي والأسواق التي تعرض السلع التراثية. واعتبر أن هذه الإجراءات ستساعد في تحفيز السياح على زيارة المدينة. وأضاف أن المدينة ستكون جزءًا من نشاطات وزارة الثقافة، حيث ستشهد إقامة الفعاليات والأنشطة الفنية مثل الحفلات الغنائية والأمسيات، ما يعزز من مكانتها كوجهة سياحية ثقافية.
المؤرخ محمد شاكر المحمدي، قال في معرض حديثه لـ"الصباح":"تشير المصادر التاريخية إلى أن الحيثيين تقدموا إلى بابل، واسقطوا سلالتهم، ثم انسحبوا منها إلى موطنهم الأصلي في الأناضول، وحدث فراغ كبير استغلته أقوام الكيشيين الذين اندفعوا من إيران إلى العراق، وتضم المدينة العديد من الآثار، التي ما زالت شاخصة إلى يومنا هذا، وتقاوم الظروف الطبيعية وعوامل الزمن".وطالب المحمدي بضرورة قيام الجهات المعنية بمد يد العمران لها، وجعلها معلماً سياحياً في العراق.
من جهته، أشار مثنى سعدون ظافر الهنداوي، ماجستير آثار من جامعة القاهرة ومدرس مساعد في الجامعة العراقية، إلى أن موقع مدينة عقرقوف يعد متنفسًا ثقافيًا وأثريًا وسياحيًا في آن واحد، خصوصًا بفضل قربه من مركز العاصمة بغداد، ما يجعله من أهم المعالم في العراق. وأضاف الهنداوي أن اختيار العراق كعاصمة للسياحة العربية لعام 2025 يعزز من أهمية الموقع ويجعله جزءًا أساسيًا من الجهود السياحية والثقافية في البلد.
وأكد الهنداوي أنه مع جهود إعادة تأهيل الموقع الأثري وفقاً لسياقات علمية وأثرية مدروسة، وسيكون لذلك تأثير إيجابي في الجوانب الثقافية والسياحية. وأوضح أنه من الممكن إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية في المستقبل على غرار تجارب سابقة في العراق والمنطقة، مثل مهرجان بابل أو مهرجان الحضر. كما أضاف أن هذا الاهتمام بالموقع سيسهم في جذب السفرات المدرسية، ما يساعد على تكوين هوية ثقافية عراقية واحدة بين الجيل الجديد من الأطفال، ويعزز من فخرهم بتراثهم وحضارتهم.