ما بعد الحرب في غزة

آراء 2025/01/21
...

 محمد شريف أبو ميسم

 ثمة سؤال مفادة " ماذا بعد الحرب في غزة، وما هي الخلاصة التي خرجت بها الارادات القائمة على الصراع العربي الصهيوني؟" بعد خمسة عشر شهرا من التحدي، بين كيان غاصب تقدم له كل أنواع الدعم المالي والعسكري والاستخباري، بهدف ترسيخ فكرة الكيان الذي لا يقهر، وبين شعب محاصر في بقعة جغرافية صغيرة، لا يملك إلا إيمانه بقضيته في معركة وجود بامتياز.

وقد يقول قائل إن جرائم دولة الاحتلال في غزة أطاحت بسياسة التدجين التي تتبعها الدوائر الصهيونية في المنطقة العربية، بهدف قبول الرأي العام العربي بمشروع "انهاء توريث الصراع" وإن هذا الكيان بما يتلقاه من دعم غربي، لم يستطع تحقيق أهداف الحرب المعلنة، والمتمثلة بالقضاء على المقاومة، واطلاق سراح الرهائن وعودة المستوطنين، وإن فكرة اسرائيل التي لا تقهر ولت إلى غير رجعة بفعل الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني في غزة، وان هذه الجرائم كشفت عن زيف الادعاءات الغربية أمام الرأي العام العالمي، الذي بات ينظر لهذا الكيان بوصفه كيانا يمارس الإرهاب الدولي بامتياز، وإن دولة الاحتلال ما عادت مؤهلة لتكون راعية للمصالح الغربية في المنطقة.

وكل هذا يبدو واقعيا من خلال القراءات الأولى لنتائج الحرب، ولكنه لا يسقط المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة، إذ إن طبيعة الصراع قائمة على فكرة الهيمنة في سياق ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير، الذي يمنح السيطرة على الجهات الأربع لمن يتولى ادارته، ويحول دون توسع نفوذ الصين وروسيا وايران، والسيطرة على نحو نصف مصادر الطاقة العالمية التي سيخرج منها آخر برميل نفط في العالم، فضلا عن السيطرة على نحو 40 بالمئة من حركة التجارة العالمية، في منطقة عرفت بالأيدي العاملة الرخيصة والأسواق الاستهلاكية، فما بالك حين يتماهى هذا المشروع مع المشروع الصهيوني الذي يحمل شعار "من الماء إلى الماء تترامى أطراف الدولة اليهودية الكبرى".

 آنذاك تكون الخلاصة التي قدمتها حرب غزة للعالم بوصفها درسا للقائمين على المشروع، أن لا جدوى من التدمير أمام صمود الشعوب وحركات التحرر، التي تمتلك ارادتها وتدعو للوقوف بوجه التوسع والغطرسة، في زمن يتم فيه تسويق فكرة الهيمنة بوصفها سبيلا للدفاع عن الحريات وحقوق الانسان، وإن السبيل الوحيد لهذه الهيمنة عبر برنامج الاحتواء الاقتصادي القائم مراحل تسويق (اتفاقيات السلام والتطبيع ومن ثم التأسيس لعلاقات اقتصادية يتم بموجبها توظيف فكرة الاستثمار المباشر في نظم ليبرالية السوق تحت مظلة العولمة).

وهذا ما سنشهده بدفع اعلامي وتكيف يوظف المأساة، التي حصلت في غزة بوصفها مأساة غير مرغوب بتكرارها، وإن السبيل الوحيد لإقامة السلام الدائم هو اقامة النظم الليبرالية في عموم دول المنطقة، التي تعطي الحرية والملكية المطلقة للرساميل الأجنبية في البيئات الاستثمارية العربية المتعطشة للتنمية، في ظل فكرة الاندماج الجهوي التي تلغي حدود الدولة التقليدية أمام حركة رأس المال والأيدي العالمة ونقل السلع والبضائع، بالتساوق مع فكرة الاعتراف بوجود هذا الكيان وتطبيع العلاقات السياسية والاقتصادية معه، وصولا لوجود كتلة جهوية اقتصادية مماثلة لكتلة الاتحاد الأوربي( تسمى الكتلة الابراهيمية) يؤسس لوجودها الإعلام والعقل الثقافي المهووس باعادة انتاج الثقافات الغربية، بدواع مغادرة الفقر والخرافة والموروث بوصفه موروثا متخلفا.

حينها ستحل سلطة رأس المال الأجنبي محل سلطة الدولة ( والتي تتحكم بها العوائل اليهودية، وفي مقدمتها عائلة روتشيد اليهودية المتطرفة التي وقفت وراء وجود هذا الكيان منذ أن تبنت وعد بلفور)، وستدار شؤون دول المنطقة بالاعتماد على عنصري الزمن بتعاقب الأجيال وتدجينها وقطع صلتها بموروثاتها، بوصفها موروثات لا تنسجم وملامح الثقافات المستوردة، وصولا إلى مرحلة التغيير الديموغرافي بوصفه نتيجة لعالم ما بعد الانترنت.