محمد علي الحيدري
تمر الساحة السياسية اللبنانية بمنعطف حرج يعكس تعقيدات النظام الطائفي القائم وآثاره على تشكيل الحكومات. وفي ظل المشاورات الجارية لتشكيل الحكومة، برزت مواقف وتحركات أثارت تساؤلات حول مستقبل الشراكة الوطنية، ومدى احترام التوازنات السياسية والطائفية.
أحد أبرز الملامح التي ظهرت في الآونة الأخيرة هو التوتر المتصاعد بين الثنائي الشيعي من جهة وبعض الأطراف السياسية من الجهة الأخرى. اذ يصف البعض هذه المرحلة بأنها "انقلاب على التفاهمات"، حيث يسود الشعور لدى المكونات الشيعية بأنها مستهدفة سياسيا، من خلال تجاوزها في عملية تشكيل الحكومة أو عبر محاولة فرض أسماء وزارية شيعية دون التنسيق معها.
هذه الممارسات تنذر كما يرى محللون بتعميق الهوة بين المكونات السياسية، وقد تؤسس لانقسامات حادة تعصف بمفهوم الوحدة الوطنية.
الاحتقان الطائفي، الذي بلغ مستويات خطيرة، ليس جديدا على الساحة اللبنانية، لكنه اليوم يهدد بالتحول إلى صراع مفتوح. وهنا يشير كثيرون إلى أن إقصاء أي طائفة، لا سيما الشيعية، التي تحملت أعباء كبيرة في الدفاع عن القضايا الوطنية والإقليمية، يمثل خطرا على استقرار النظام السياسي بأسره. فالشيعة، الذين يعتبرون أحد الأعمدة الرئيسية في المعادلة السياسية، يشعرون بأن محاولات عزلهم ليست مجرد إجراء إداري، بل خطوة لإعادة صياغة موازين القوى في البلاد، بطريقة تُقصي دورهم التاريخي.
ويعتقد البعض أن المواقف الرسمية الأخيرة، سواء من الرئاسة أو من الرئيس المكلف، تعكس اتجاها يفتقر إلى الرؤية الشاملة لمستقبل البلاد. فاعتماد سياسة "الأمر الواقع" ومحاولة الالتفاف على مكونات أساسية بفرض وزراء لا يحظون بغطاء مذهبي يمثلان خروجا عن الأعراف السياسية اللبنانية التي تأسست على التوافق. وهذا النهج قد يفتح الباب أمام صدامات داخلية ربما تكون تداعياتها خطيرة، وخصوصا إذا استمرت الأطراف السياسية الأخرى في تجاهل "الغضب الشيعي" الناتج عما يعتبره الثنائي الشيعي "غدرا سياسيا".
ومما يزيد من تعقيد المشهد ارتباط الأزمة الحكومية الحالية بمعطيات إقليمية ودولية، حيث يُنظر إلى بعض التحركات الداخلية على أنها انعكاس لتوجهات خارجية تهدف إلى إعادة تشكيل السياسة اللبنانية بما يخدم أجندات دولية، وهو ما يزيد من الشعور بعدم الاستقلالية السياسية للقرار اللبناني.
التجربة السياسية اللبنانية تحمل دروسا واضحة، أبرزها أن أي محاولة لتهميش مكون أساسي في البلاد تؤدي حتما إلى زعزعة الاستقرار وإثارة الصراعات. وهذا ما حدث سابقا في عام 2005، حين قادت السياسات الإقصائية إلى تفاقم الانقسامات وجر البلاد إلى أزمات متلاحقة.
من هنا، يطلب البعض من رئيس الجمهورية والرئيس المكلف النظر بجدية إلى مخاطر هذا النهج، والعمل على إعادة الاعتبار إلى روح الشراكة الوطنية التي تتطلب احترام المكونات كافة. الحوار الجاد والبنّاء بين الأطراف السياسية هو السبيل الوحيد لتجاوز هذه المرحلة الحرجة، بعيدا عن التدخلات الخارجية وأي محاولات لفرض أجندات أحادية.
إن لبنان في مفترق طرق، وأي تهاون في التعامل مع تداعيات الاحتقان الطائفي والسياسي قد يدفع البلاد نحو مسار خطير. المطلوب اليوم قيادة حكيمة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن كوحدة متكاملة، وتجنب الخيارات التي قد تؤدي إلى انقسام داخلي يهدد الكيان بأسره.