سوسن الجزراوي
ومن ثم ماذا؟
لن يربح أحد سوى صانعي الأسلحة وتجار (الحروب)، أولئك الذين يطبّلون لقرع الطبول، طبول الحرب والخراب والدمار.
توقفت المعركة في غزة، بعد أن أطاحت بكل المنظومة الانسانية والبنى التحتية وازهقت فيها أرواح وأرواح، وتشرد جرائها مئات الاطفال وتشتت آلاف العائلات، وكذلك الحال في معسكرات إسرائيل ومحيطها !
فلا احد يخرج منتصراً، حتى وان وضعت الحرب أوزارها.
يقول الشاعر والفيلسوف الفرنسي پول ڤاليري: الحرب مجزرة بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض، لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض، ولا يقتلون (بعضهم البعض).
معادلة محزنة، أن تحمل سلاحك ضدي وأحمل سلاحي ضدك والسبابة ترتجف فوق الزناد، لكننا نواصل الاقتتال، لا لشئ ندركه ومقتنعين به، إنما لأنها الأوامر العليا التي تعلن نهاية حياتنا واستشهاد السلام.
وتشير الكثير من الدراسات الأنثروبولوجية، إلى أن الحروب البشرية، على الرغم من أنها أكثر تكرارًا في آلاف السنين الأخيرة عما كانت عليه من قبل، إلا أنها كانت موجودة منذ فترة طويلة، مثلها مثل الحضارات الإنسانية.
من الممكن أن تكون الحضارات والحروب نابعة من هذا الخطأ التطوري الذي دفع الجنس البشري إلى الاعتقاد الخاطئ، بأننا أفراد منفصلون نتمتع بالإرادة الحرة والاختيار والمسؤولية عن أفعالنا.
الا اننا عندما ننظر إلى الأسباب المفترضة للحروب، مثل الكبرياء القومي والديني وتحيز كل طرف إلى معتقداته الخاصة، كذلك عدم المساواة في الوصول إلى الموارد الأساسية والأراضي، كذلك وجود العنصرية والطائفية والدفاع عن النفس، تلك التي ترجع إلى خوف أو كراهية مشروطة ومستمرة ومرضية تجاه مجموعة أخرى.
وعادة ما يكون ذلك نتيجة للتحريض والتنشئة الخاطئة التي ينشأ عليها الانسان، وتغذيها عناصر القوى المتحكمة بالواقع.
ولا يختلف العقلاء اطلاقا على أن الحروب هي اقتصادية أكثر منها عقائدية، فالمتحكم في النتيجة هو الممول الذي يستثمر كل صغيرة وكبيرة بهدف جعل المعارك مستمرة وبلا هوادة، وأيا كانت الأسباب التي اشعلت فتيل الصراع، يقف خلفها (المستفيد) والذي غالبا ما يكون عنصرا قويا وبعض العناصر المتحالفة معه.
وفي النهاية، بعد قتل أو استشهاد الملايين، يتم التفاوض وتحقيق السلام، وتعود الحياة إلى طبيعتها وكأن شيئا لم يكن! فلماذا إذن نخوض الحرب في المقام الأول ولا نتفاوض على تسوية الخلافات قبل اندلاع هذا العنف وتأجيجه؟
والحواب منطقي جدا استناداً للمبررين، وذلك لأن الحرب مربحة جدًا لصانعي الاسلحة، وإن الحرب "التي لا نهاية لها" المطولة هي أفضل شيء على الإطلاق بالنسبة للمجمع العسكري الصناعي، فانتاج الصواريخ قائم، بل وكل الاسلحة الفتاكة، المادية والبايولوجية.
وغالباً ما تهيمن هذه الصناعة وتؤثر بشكل كبير في السياسات الغربية، مايجعلها قوى ساندة لاولئك الذين اختاروا الحرب ( هواية ) لهم.
فالغرب لم يتصدر رأس الهرم في مساحات الدول العظمى بتقدمه العلمي حسب، بل بمدى قدراته العسكرية وصادرات السلاح والافكار القادرة على تغيير عقارب الساعة لتدور عكس الاتجاه، وهذا يؤشر إلى الصورة الشاخصة في الاذهان، تلك التي أصبحت واقعاً لا يقبل الشك فيه، ( الغرب ينتصر ) دائما، لأنه الأقوى على اختراق منظومة العقل العربي وتشتيت بعض عقائدها وقناعاتها ومبادئها احياناً، وبطبيعة الحال أنا لا أتحدث عن الشعوب، وإنما على الطاقم الحاكم اي كان شكله أو جنسه.