المساهمة في الانتخابات.. حقٌ أم واجب؟

آراء 2025/01/22
...

 أ.د عامر حسن فياض


اختلف الفقه القانوني الدستوري حول التكيف القانوني لممارسة الانتخاب (تصويت وترشيح) ونتيجة لذلك ظهرت ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الاول يعد الانتخاب حقاً شخصياً لكل المواطنين وذلك وفقاً لنظرية سيادة الشعب، ووفقاً لتلك النظرية يمكن تجزئة السيادة بين أفراد الشعب وكل فرد مخول في ممارسة الجزء الذي يملكه، فلا يجوز حرمان أي مواطن من ممارسة هذا الحق أو أن يقيد ممارسته، وهو حق اختياري لا يلزم صاحب الحق على مباشرته. أما الاتجاه الثاني يعد الانتخاب واجبا ووظيفة، وذلك وفقاً لنظرية سيادة الأمة، التي تعد السيادة وحدة واحدة لا يمكن تجزئتها وتعبر عنها الأمة كمجموع وليس كأفراد بشكل انفرادي، وتضع على عاتق الناخبين واجب اختيار أكفأ الأشخاص لممارسة شؤون السلطة، ولذلك لا يكلف بتلك الوظيفة إلا من تتوافر فيهم أهلية معينة وصلاحية في التمييز بشأن اختيار الحكام، وفقاً لهذا الاتجاه يجوز الأخذ بنظام الاقتراع المقيد، ويجب أن ينفذ المواطن تلك الوظيفة بوصفها واجبا في ضوء تحقيق المصالح العامة وليس الشخصية. وهناك اتجاه ثالث يحاول المزج بين الاتجاهين، اي اعتبار الانتخابات حقاً ووظيفة، ويبدو إن الاتجاه الاخير هو الأكثر إهتماماً في تشكيل هيئة ناخبين من ذوي الوعي والدراية في اختيار الحكام المؤهلين للتمثيل السياسي، إلا أنه تأريخياً اتخذ ذلك كمبرر لحرمان أفراد الفئات الفقيرة والنساء من ممارسة حق الاقتراع والترشيح في مقابل الإعلاء من الدور والمكانة السياسية للفئات الارستقراطية الحاكمة. 

ان العمل بنظام الاقتراع المقيد، يلزم المشرع بوضع شروط وقيود على المصوتين والمرشحين في سبيل رفع مستوى كفاءة اعضاء هيئة الناخبين والمنتخبين، وأن أبرز القيود المفروضة على الناخب تتمثل في:

أ‌- التأهيل الدراسي أو المؤهلات العلمية والثقافية: اي وجوب حصول الناخب على درجة علمية معينة أو اجادة القراءة والكتابة، وأخذت بعض الدول بهذا الشرط وتم تعويضه بفارق العمر، حيث يتطلب في الأمي سناً أكبر، أو يكون رباً لأسرة كما كان في البرتغال، وكانت ايطاليا تفرض امتحاناً على الناخب الذي لم تكن لديه اي شهادة دراسية، ودافع هذا القيد أن حسن اختيار النواب من قبل الناخبين يتطلب قدراً من الحنكة والذكاء والوعي السياسي لدى الناخب. 

ب‌- شرط النصاب المالي أو الثروة: أي يجب آأن يتمتع الناخب بنصاب مالي معين من الأموال المنقولة أو غير المنقولة ويدفع منها للدولة، وقد أخذت انكلترا بهذا الشرط حتى عام 1919، وايطاليا حتى عام 1948 وبعض دول اخرى. ويبرر الفقهاء فرض هذا الشرط بأن الشؤون العامة تهم الطبقة الثرية اكثر ما تهم المعدومين، ومن الصعب شراء أصوات أفراد تلك الطبقة بالمقارنة مع أفراد الطبقة المعدمة. بالاضافة إلى ذلك يعتبرون أن الثروة دليل على الكفاءة والمعرفة لدى الفرد، ودافعو الضرائب هم يتحملون اخطاء الحكومة وهم أكثر من غيرهم، يستحقون المشاركة.

هكذا يبدو أن المؤيدين للإقتراع المقيد يعتقدون أن تدني مستوى الوعي السياسي لدى الناخب يؤدي إلى عدم شعوره بالمسؤولية، وتنخفض قدرته على اختيار الافضل من بين المرشحين، ويمكن خداعه من قبل الاحزاب من خلال الوسائل والاساليب الدعائية الحديثة ونشر الشائعات، إلا انه مع ذلك أنه نتيجة تزايد التمسك بالمبادئ الديمقراطية لم يعد العمل بتلك القيود على الانتخاب كما كان، باعتبارها تتنافى مع مبدأ الاقتراع العام. 

وفقاً لما سبق ذكره يمكننا القول، بأنه مع أننا سلمنا بأن وضع القيود على حق التصويت والترشيح لايتفق مع الإتجاه السائد في ممارسة العملية الديمقراطية، إلا أننا نرى لو تم اسناد السلطة والصلاحية اللازمة للمشرع في هذا الشأن بإمكاننا وضع شروط وقيود حاسمة لتركيبة هيئة الناخبين، ووضع الشروط والقيود التي من شأنها ان تفرض على الأحزاب السياسية انتقاء المرشحين الأكثر تأهيلاً والأفضل جودة من حيث القدرات العلمية والعملية في ممارسة التمثيل السياسي وإدارة الشؤون العامة، ومن ثم تقديمهم للمنافسة الانتخابية.