القاضي ناصر عمران
شكل المران الديمقراطي الذي أتاحه التغيير السياسي والفكري والثقافي والاجتماعي في العراق، مساحه واسعة لإعادة قراءة جملة من المصطلحات والمفاهيم وترتيب أولوياتها وحسب السياقات والنسق الديمقراطي، وبضمنها المصطلحات والمبادئ القانونية، التي أفرزتها الممارسة الديمقراطية للنظام القانوني الجديد
ومنها جدلية الأولويات بين أولوية القانون ومبدأ (سمو القانون) بالمعنى الحرفي للمبدأ أم أولوية العدالة و(سمو العدالة) بالمعنى المفاهيمي لها وأثر ذلك في الميادين الأكاديمية التنظيرية والتطبيقية، فنظرية العدالة بحسب الفيلسوف (جون رولز) تقتضي تقديم تصور عادل ومنصف لتنظيم المجتمع، وهي مفهوم رئيس في الفلسفة السياسية وتُعتبر إطارًا نظريًا لفهم العدالة الاجتماعية والسياسية.
كما أنها تساعد على تقييم الأنظمة الاجتماعية والسياسية بشكل نقدي وتوفر رؤية عملية لتطبيق العدالة في السياسات العامة.
أما مبدأ سمو القانون: فهو مفهوم يشير إلى أن القانون هو السلطة العليا، التي تنظم العلاقات داخل الدولة، وأن جميع الأشخاص والمؤسسات، بما في ذلك الحكومة يجب أن يخضعوا للقانون. وخصائص السمو القانون تتمثل في:
1 - العمومية: فالقوانين تطبق على الجميع دون استثناء.
2 - عدم التعسف: فالقوانين تُسن وفق إجراءات محددة وتُطبق بطريقة عادلة.
3 - سيادة الدولة: حيث يضمن مبدأ سمو القانون استقرار النظام القانوني وحماية حقوق الأفراد.
أما العلاقة بين القانون والعدالة فإن سمو العدالة: يشير إلى المبدأ الأخلاقي والإنساني، الذي يعتبر العدالة غاية أعلى من القوانين.
فإذا تعارض القانون مع العدالة فإن العدالة ينبغي أن تكون لها الأولوية، فالعدالة تعتمد على معايير أخلاقية وإنسانية، قد تختلف باختلاف الزمان والمكان وتسعى لتحقيق المساواة والإنصاف، بغض النظر عن القوانين المكتوبة.
أما الفرق بين سمو القانون وسمو العدالة فيبرز في:
1 - النطاق: فسمو القانون يركز على الالتزام بالقواعد القانونية المكتوبة. أما سمو العدالة فيركز على القيم الأخلاقية والإنسانية لتحقيق الإنصاف.
2 - الأولوية: فسمو القانون يعتبر النظام القانوني ملزماً حتى لو كانت هناك ثغرات في تحقيق العدالة.
أما سمو العدالة فيتجاوز القوانين إذا تعارضت مع المبادئ الأخلاقية أو الإنسانية.
3 - المصدر: سمو القانون يعتمد على القواعد التي تضعها الدولة. أما سمو العدالة: فيعتمد على القيم الأخلاقية العامة.
4 - الهدف: سمو القانون ضمان النظام والاستقرار. أما سمو العدالة: فتحقيق الإنصاف والمساواة.
والخلاصة القراءة الجديدة ترى أن العلاقة بين سمو القانون وسمو العدالة هي علاقة تكامل لا تناقض، فالقانون وسيلة لتحقيق العدالة، وبالتالي فإن السمو الحقيقي يكون للعدالة، وتحقيق ذلك يأتي من خلال التطبيق السليم والعادل للقوانين، وهنا تظهر أهمية القضاء كمنتج عملي للعدالة، فمن خلال النص يستشف القاضي روح القانون، التي تتلاءم مع المبادئ الأخلاقية والإنسانية، وكلما كان للقاضي متسع وحرية بمواجهة النص القانوني وهذه الحرية تجد مساحتها العملية في استقلالية القاضي عند أداء عمله، فلا سلطان عليه لغير القانون وليس هذا فحسب، وإنما تزداد العدالة ظهورا وتجليا حين تكون المرجعية الإدارية للقاضي مستقلة تمارس اختصاصاتها ومهامها، وقد تحققت هذه الاستقلالية بشكل تدريجي، فبعد أن كانت السلطة القضائية سلطة اتحادية مستقلة تعمل وفق مبدأ الفصل بين السلطات، كما نصت على ذلك المادة (47) من الدستور، جاء صدور قانون مجلس القضاء الأعلى رقم ( 45 ) لسنة 2017 في 23/1 / 2017 لتتحقق الاستقلالية التامة للقضاء، واعتبر تاريخ صدور قانون مجلس القضاء الأعلى يوما للقضاء، يتم الاحتفاء به سنويا، إن الاحتفاء بيوم القضاء المستقل هو احتفاء بالعدالة لجميع أبناء الشعب العراقي، الذي عانى كثيراً من الظلم والاضطهاد، والذي وجد في القضاء الثقة والحصن والملاذ.
فتحية للقضاء العراقي منتج العدالة وضمان تحققها في يومه الأغر، الذي لم يأت إلا من خلال مسيرة طويلة، كانت التضحيات سماتها الأبرز والمجد والخلود لشهداء السلطة القضائية قرابين العدالة ومنارات طريقها الدائم.