طالب سعدون
قرار غريب لم يمر مرورا عابرا، بل قوبل باستنكار شديد من منظمات حقوقية وناشطين لخطورته على العدالة الدولية التي يحتمي بها من يتعرض إلى عدوان وظلم.
القرار يكشف عن ازدواجية في التعامل مع قضايا الامم والشعوب ويفضح الانحياز إلى (إسرائيل) جهارا نهارا والوقوف مع نتنياهو في عدوانيته وجرائمه ضد غزة على مدى اشهر طويلة، راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى من أهلها اغلبهم من الأطفال والنساء والشيوخ.
ذلك هو قرار مجلس النواب الامريكي الذي صدر مؤخرا باقرار قانون لفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، ردا على إصدارها مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يشكل طعنة قوية للعدالة الدولية ومعارضة صارخة لإجراءات المحكمة، التي أكدت التزامها بمعايير العدالة الدولية في قراراتها ضد (اسرائيل) في عدوانها وارتكابها ابادة جماعية.
كما يعكس القرار الدعم القوي (لاسرائيل) بعد سيطرة الجمهوريين على مجلسي الكونغرس.. فمشروع القانون الذي اطلق عليه (مكافحة المحكمة غير الشرعية) حظي بدعم كبير من كامل الجمهوريين (198) اذ لم يصوت ضده أي نائب جمهوري وبعض الديمقراطيين (45 نائبا) وبذلك نال الأغلبية.
القانون يتضمن فرض عقوبات على أي أجنبي يحقق أو يعتقل أو يحتجز مواطنين أمريكيين، أو من دول حليفة غير أعضاء في المحكمة. وتشمل هذه الفئة الأمريكيين، بمن فيهم العسكريون، وأي شخص يعمل أو عمل في الماضي لصالح الحكومة الأمريكية، ومواطني الدول الحليفة لواشنطن، إذا كانت تلك الدول لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
القرار يشكل دعما (لاسرائيل) على حد قول النائب برايان ماست، رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الامريكي في كلمته قبل التصويت على مشروع القرار، واصفا المحكمة الجنائية الدولية بأنها (صورية) وتسعى لاستهداف (قادة دولة حليفة للولايات المتحدة) على حد تعبيره.
الغريب في هذا القرارهو الازدواجية التي لم ينتبه اليها المصوتون عليه.. ففي الوقت الذي يعد المصوتون هذه المحكمة الدولية (صورية) مع (الاسرائيليين) بارتكابهم ابادة جماعية راح ضحيتها اكثر من 46 ألف مواطن من الفلسطينيين واكثر من 150 ألفا من المصابين وآلاف المفقودين وتدمير قطاع غزة وبناه التحتية ومؤسساته الحيوية ومنها المستشفيات واستخدام مختلف الاسلحة بما فيها التجويع والتهجير.. لكنها محكمة أصيلة ومهمة عندما تكون قراراتها وعقوباتها لمصلحة امريكا وحلفائها أو ضد خصومها واعدائها.. فهي ترحب وتعمل على دعم وتنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية في قضايا كثيرة منها اصدار مذكرة باعتقال الرئيس الروسي بوتين، لاتهامه بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا في قضية لا ترتقي إلى جرائم الابادة الجماعية ضد الانسانية في غزة، وتتمثل بنقل اطفال أوكرانيين قسرا لكنها تعاقب المحكمة الجنائية الدولية لإصدارها مذكرة اعتقال بحق نيتنياهو، وقد فات البرلمان ان جرائمه واضحة للعيان وموثقة امام الراي العام العالمي بالصورة والصوت ولا تحتاج إلى تبرير أو دليل أو بعثات دولية لتقصي الحقائق.
ان هذا القرار الذي يضرب العدالة الدولية بالصميم بفرض عقوبات على منظمة دولية متخصصة، لا يمثل حماية وحصانة للاسرائليين الذين مارسوا جرائم حرب ضد الفلسطينيين في غزة من العقاب الدولي، بل يشجعهم على ممارسة المزيد من الجرائم ماداموا في مأمن من الحساب.
لذلك تصدت 120 منظمة حقوقية وانسانية دولية وناشطون بالرفض والاستنكار لهذا القرار، متهمة الولايات المتحدة بحماية مجرمي الحرب الصهاينة، فيما اكدت كبيرة المسؤولين القانونيين في المحكمة الجنائية الدولية أن هذه الخطوة تعرض المحكمة للخطر، وهي حجر الزاوية في النظام الدولي منذ إنشائها قبل عقود من الزمان وبدون آليات المساءلة الفعالة، فإننا نخاطر بخلق عالم لا يتحمل الجناة المسؤولية عن جرائمهم، ليس فقط في فلسطين، بل في جميع أنحاء العالم على حد قولها. باختصار أن هذا القرار يتعارض مع ما تعلنه أمريكا من من دعم لوقف اطلاق النار في غزة وتحقيق الامن والاستقرار في المنطقة ويشجع نتنياهو في نزعته العدوانية وتهديد امن واستقرار المنطقة ويجعل المنظمات الدولية في خطر، كما يكشف بوضوح المعايير الامريكية والغربية ازاء القانون الدولي واستخدام العقوبات الامريكية ضد الدول والشعوب، رغم عدم صدورها من منظمات دولية.