دبلوماسيَّة القوة

آراء 2025/01/22
...

 سعد العبيدي

 

تُعَدُّ القوة في العلاقات الدولية أداة رئيسة، إن لم تكن الأساس في الكثير من النزاعات والصراعات العالمية. وما جرى بين إسرائيل وحماس خلال الخمسة عشر شهراً الماضية يمثل نموذجاً صارخاً لتأثير القوة على الدبلوماسية. ففي حين كانت المفاوضات والمبادرات التقليدية عاجزة عن إحراز تقدم يُذكر، أحدثت إعادة انتخاب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة تغيُّراً ملحوظاً في المعادلة السياسية. جاء تلويحه بالعواقب الوخيمة، إذا لم يتحقق وقف إطلاق النار، ليؤسس مساراً جديداً نحو حل – وإن كان مؤقتاً – يجسد مفهوم "دبلوماسية القوة". وهي أي دبلوماسية القوة، على عكس الدبلوماسية الناعمة أو المرنة، تعتمد على مبدأ فرض الإرادة باستخدام النفوذ السياسي أو الاقتصادي أو العسكري. وغالباً ما يترافق هذا الأسلوب مع رسائل صريحة أو ضمنية تُظهر استعداد الطرف الأقوى لاستخدام القوة في حال عدم الاستجابة للمطالب المطروحة. وهذا أسلوب ليس بجديدٍ على السياسة الأمريكية، إذ سبق أن استُخدِم خلال الأزمة الكوبية عام 1962، حين فرضت الولايات المتحدة حصاراً بحرياً على كوبا وهددت باتخاذ إجراءات عسكرية إذا لم تتراجع موسكو عن نشر صواريخ نووية في الجزيرة. أدت تلك التهديدات إلى مفاوضات مكثفة أسفرت عن إزالة الصواريخ، ما يُعدُّ انتصاراً لدبلوماسية القوة. وبالعودة إلى ساحة الحرب الفلسطينية– الإسرائيلية، يبدو أن لغة القوة كانت دائماً العامل الحاسم في أي اتفاق أو تهدئة. ومع ذلك، فإن استخدام ترامب للضغوط السياسية والعسكرية المباشرة كان أكثر جدية، مما أكسب الاتفاق الأخير بين الطرفين زخماً كبيراً. وعلى الرغم من الثغرات التي شابت هذا الاتفاق، فإنه يُظهر كيف يمكن لاستخدام القوة أو التهديد بها أن يفرض على الأطراف المتنازعة التوصل إلى حلول، حتى وإن كانت مؤقتة. وختامًا يمكن القول وعلى الرغم من الانتقادات الأخلاقية والسياسية التي تواجه دبلوماسية القوة، فإنها تظل أداة عملية تُستخدم لإجبار الأطراف المتنازعة على الوصول إلى طاولة المفاوضات، وقد أثبت النموذج الإسرائيلي-الفلسطيني أنها قد تكون أحياناً السبيل الوحيد لتحقيق التهدئة. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني ضمان سلام دائم، بل يتطلب الأمر العمل على تحقيق توازن بين هذا النوع من الدبلوماسية وحلول أكثر استدامة تضمن الاستقرار طويل الأمد.