ياسين العطواني
من الحكمةِ أن يقف المرء بين الفَينة والأخرى متمهلا ما تركه من أثر، سواء كان هذا الأثر إيجابيا أم سلبيا، للبناء على ماهو إيجابي وتلافي السلبي. وهذه البديهية يمكن تطبيقها على واقعنا الذي نعيشه اليوم، على مستوى الفرد باعتباره عضوا فعالا في المجتمع أو على المستوى الأجتماعي ومؤسسات الدولة، وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب والكيانات السياسية التي تتولى إدارة الأمور، وذلك من خلال القيام بمراجعات حقيقية لتلك البرامج السياسية التي تتبناها تلك الأحزاب والكيانات، والتي وضعت لمعالجة القضية العراقية بعد التغيير، وما حَفلت به من إنجازات وتداعيات. وبعد أن يتم تشخيص الصالح من الطالح، لا بد من القيام بعملية إصلاح ذاتي، تـُؤشر وتـُعالج فيها الأخفاقات التي حصلت هنا أو هناك، بقصد أو بدون قصد، وهذا لا يلغي ما قــُـدم من جهد، بالرغم من حجم التحديات التي كانت ولا تزال تقف حائلا دون أتمام المشروع الوطني المطلوب تحقيقه. ومن خلال الاستقراء الأصطلاحي والمعرفي لمفهومي المراجعات والأصلاح، نجد هنالك تزامنا عضويا بين المفهومين، يكاد أحدهما يُكمل الآخر، بالرغم من مقدار الاختلاف الذي قد يحصل نتيجة لاختلاف الزمان والمكان.
وعلى العموم تظهر مطالب الإصلاح، ونعني به هنا الإصلاح السياسي نتيجة لحدوث خلل في المنظومة السياسية تعجز معه تلك المنظومة عن أداء وظائفها بالكفاءة والفعالية المطلوبة، وهو بالمحصلة تغيير نحو الأفضل بعد مراجعة التصورات والمنطلقات الفكرية والأيديولوجية السابقة وما تبعها من أخطاء، وكذلك الممارسات العملية التي صاحبت تلك التصورات والمُنطلقات، ووضع أسس فكرية وأولويات جديدة أو مختلفة تتماشى مع الواقع الجديد، وعادة ماينتج عن ذلك نظاما فكريا وأيديولوجيا وممارسات تنظيمية تختلف كليا أو جزئيا عن الممارسات السابقة.
وهذا الأمر ليس بالشيء المُستغرب، فقد سبقتنا إلى ذلك الكثير من التجارب العالمية الناجحة، والتي يمكن الإطلاع على تلك التجارب والاستفادة منها. وما دام الأمر كذلك فحري بنا جمعيا أن نعمل ودون توجس أو خوف على تصحيح المسارات، وتلافي العقبات، التي كانت تعترض سير القافلة الوطنية، من خلال وضع خارطة طريق جديدة، تُحدد فيها الثوابت الوطنية التي حصل الاجماع عليها، وكذلك شطب السلوكيات والمفاهيم الخاطئة بمختلف أشكالها، التي ثبت هشاشتها وعجزها في تحقيق ما كانت تصبو اليه شرائح واسعة من أبناء هذا البلد. ولعل أهم ما يمكن الاشارة إليه والعمل بموجبه في هذه المرحلة، وقبل الإقدام على وضع أي خطة عمل أو استراتيجية معينة، هو ان تكون تلك المراجعات شاملة، وعلى كافة المستويات، وهذا الأمر يستوجب المُكاشفة والوضوح، ووضع النقاط فوق الحروف. ويفترض أن يسبق ذلك القيام بنقد ذاتي بناء لمُجمل الطروحات والتصورات التي اعتاد البعض التعايش معها وكأنها مُسلمات غير قابلة للطعن أو المساس. وقد يعقب ذلك مراجعة المفاهيم والقيم السياسية، والأجتماعية، والمعرفية، بما فيها المنظومات الأيديولوجية التي تتبناها بعض الجهات السياسية وما تحويه من مفاهيم.
ما نريد الوصول إليه، هو أن نتعامل مع الأحداث بمنطق سليم، خصوصا الأحداث والتطورات المُتسارعة التي تحيط بنا، فما يَصلح من قيم وسلوكيات اجتماعية وسياسية في زمان ومكان ما ليس بالضرورة أن يكون صالحا لزمان ومكان آخر، فالتجدد للمفاهيم والسلوكيات أمر مُستحسن، وهناك الكثير من الشواهد التاريخية التي تؤكد ذلك، بما فيها المفاهيم الروحية التي حملها الأنبياء والرسل إلى الأرض، والتي روعي فيها التدرج، والتعاقب، والتجديد، للمفاهيم والقيم، بما يتناسب وتطور المدارك الفكرية والحسية للفرد والمجتمع. وبالتالي ليس من المُعيب ان يقف البعض في منتصف الطريق، لمعاينة ما تركه من أثر، وما يعترضه من أهوال، ولكن العيب أن يستمر في خطاه وهو في طريقه إلى المجهول. ولهذا بات الإصلاح بمفهومه الاستراتيجي أمرا حتميا، إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة الهواجس الداخلية والمُتغيرات الإقليمية والدولية.