علي حسن الفواز
يفتح دخول لبنان إلى العصر الرئاسي الجديد أبوابا لمرحلة سياسية قلقة، تتوزعها نوايا الإصلاح، وصعوبات الواقع، فبقدر ما يحدو الأمل والوعد كثيرا من فرقاء السياسة، فإن راهنية الحال تكشف عن طبيعة تلك الصعوبات وتعقيداتها، وعما تُخفيه من علل متراكمة، تبدأ من محنة الاقتصاد المنهار والفساد المالي والسياسي، ولا تنتهي عند تداعيات الصراع المفتوح مع الكيان الصهيوني، التي تكرست عبر "تاريخ طويل" من الصراع الأهلي، ومن التدخلات الإقليمية والدولية.
تواصل اختيار الرؤساء العسكر هو الدليل الواضح على عنف هذا التاريخ، وعلى الحاجة العميقة إلى سياسات الضبط الوطني، وإلى قدرة العسكر في إمكانية معالجة التشظي السياسي والاقتصادي والأمني.
الواقعية السياسية الصعبة في لبنان، جعلت سرديات العسكر أمام تحديات كبيرة، أفقدتها القدرة الكاملة على فرض الحلول الناجزة، وعلى لملمة الشمل الوطني إزاء القضايا الكبرى، والتمكّن من إنجاح فرض معادلات "التوافقية اللبنانية" على أساس صناعة الخطاب السياسي، والقرار الوطني، وترصين البناء المؤسساتي، وفي إعادة الحياة إلى "المتخيل الثقافي" الذي يرتبط بتاريخ لبنان، وبهوية اقتصادها السياحي.
مع انتخاب الرئيس الجنرال جوزيف عون، واختيار رئيس الحكومة القاضي نواف سلّام، تدخل لبنان إلى زمن آخر، وإلى رهانات جديدة، يمكن أن تتجاوز المألوف السياسي، لكنها ستظل بحاجة إلى إنعاش فاعلية العقلانية السياسية، حتى تتجنب "فوبيا الذاكرة" واستعادة سرديات الصراع الداخلي، وفي جرّ الدستور اللبناني إلى تأويلات أيديولوجية وطائفية، من الصعب تنفيذها في الشارع اللبناني الصاخب، الذي يُخفي "أنساقا مضمرة" قد تتفجر في حالة حدوث خلخلة غير محسوبة لـ"التوافقية" التي جاءت مع اتفاقية "الطائف"، ومع طبيعة المزاج اللبناني الذي تصلب كثيرا من عام 2000 إلى هذا اليوم الذي خرجت فيه بيروت من حرب ملعونة، فقدت فيها كثيرا من رموزها وأعلامها.
ولكن أخطر ما يمكن أن يواجه الواقع اللبناني الجديد، سيظل رهينا بمتغيرات السياسة الداخلية والإقليمية، لاسيما ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتمظهرا الأفق الدولي الداعم لواقع لبناني حيوي، عبر اعتماد سياسات تتغذى فيها إرادة تنفيذ مشاريع التنمية، وعلى نحوٍ تتعزز من خلاله خيارات الدولة المدنية، والتوافق السياسي على معالجة الملفات العالقة، بما فيها ملف الاقتصاد والبنوك والغاز والحدود والحالة الاجتماعية والبناء المؤسساتي والسياحة والسلاح والهوية، بعيدا عن ذاكرة الحرب والعنف الداخلي، وقريبا من التوافق الجامع للتعايش على أسس قاعدة المواطنة والسلام الوطني.