د. خالد عليوي العرداوي
بدأ في يوم الاحد الموافق التاسع عشر من كانون الثاني الجاري سريان اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس والذي تم بوساطة قطرية- مصرية- أميركية.
وبموجب هذا الاتفاق ستكون هناك ثلاث مراحل:
-المرحلة الأولى ومدتها ستة أسابيع تطلق فيها حماس سراح 33 رهينة إسرائيلي مقابل ما يتراوح بين 990 إلى 1650 معتقلا فلسطينيا، فيما تسمح تل ابيب بدخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وعودة النازحين من سكان القطاع إلى مناطقهم في الشمال بدون سلاح وبدون تفتيش ابتداء من اليوم السابع، مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من بعض المواقع التي يحتلها في القطاع.
-المرحلة الثانية وتبدأ المفاوضات بشأنها في اليوم 16 من المرحلة الأولى، وتهدف إلى استكمال تبادل بقية الرهائن، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والتوصل إلى وقف دائم للقتال.
- المرحلة الثالثة، ويتم فيها تسليم جميع الجثث المتبقية بقبضة حماس، وإعادة اعمار غزة تحت اشراف مصري وقطري واميركي.
وعلى الرغم من عدم اعترافها بذلك فإن حكومة نتنياهو أُرغمت على ابرام هذا الاتفاق لسببين:
الأول : الضغط الهائل الذي مارسه الرئيس ترامب باحثا فيه عن نصر معنوي يسبق توليه السلطة رسميا، ومتهما إدارة بايدن بالفشل في احداث تقدم في قضية الرهائن، ولذا جرى الاتفاق بحضور ممثلي بايدن وترامب في الدوحة.
الثاني: الإحراج الذي تعرض له نتنياهو امام أحزاب المعارضة وأهالي الرهائن، واتهامه بإهمال الرهائن، وعدم القدرة على تحريرهم، على الرغم من طول مدة الحرب.
إن هذا الاتفاق في حال تنفيذه كاملا يعد انتصارا حاسما لحماس على إسرائيل؛ لصمودها على الرغم من خسائرها ومحدودية قدراتها امام آلة الحرب الإسرائيلية الضخمة، وفرضها اذعان تل ابيب إلى مطلبها السابق لطوفان الاقصى بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية، فضلا عن استمرار وجودها السياسي والعسكري كقوة مهيمنة في قطاع غزة.
وهذه النتيجة فهمها الجمهور والقيادات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، ولذا استقال إيتمار بن غفير وزير الامن القومي الإسرائيلي، وزعيم حزب "القوة اليهودية" اليميني المتطرف من حكومة بلاده، وسحب وزراء حزبه فيها، كما قدم هرتسي هاليفي رئيس الأركان الإسرائيلي وعدد من القيادات العسكرية استقالاتهم بحجة الفشل وتحمل المسؤولية عن احداث السابع من أكتوبر، فضلا عن مطالبة زعماء المعارضة في إسرائيل، وعدد من الشخصيات الإعلامية والعسكرية البارزة نتنياهو بالتنحي والاعتراف بالفشل ومحاسبته عما اسمته بـ"الكارثة" التي حلت بإسرائيل.
امام هذه النتيجة هل يمكن لاتفاق الهدنة الصمود بين الطرفين؟
تُظهر جميع المؤشرات ان هذا الاتفاق أبرم حتى لا يستمر، فكما اتفق جميع المحللين المتابعين لبنوده، فان الاتفاق "غامض"، ويتطلب تفاوضا صعبا للغاية حول مرحلتيه التاليتين؛ ولا يحدد صورة اليوم التالي في غزة، فإسرائيل عندما دخلت هذه الحرب حددت أهدافها بـ: قتل السنوار وقادة حماس الآخرين، وإنهاء الوجود العسكري والسياسي للحركة في غزة، واستعادة الرهائن، وإيجاد صيغة لليوم التالي تكون آمنة لتل ابيب ولا تعرضها مرة أخرى إلى ما عانت منه في السابع من أكتوبر. وهذه الأهداف الإسرائيلية لم تتحقق حتى الآن، ولم تتم الإشارة اليها في اتفاق الهدنة، مما يعني الفشل بعينه لتل ابيب، والنصر المعنوي الهائل لحماس، ولا يبدو ان حكومة يرأسها نتنياهو وأركان حربه قادرة على تجرع هذه النتيجة، ولذا شدد نتنياهو على ان وقف الحرب "مؤقت" وان إسرائيل ستعود اليها لاستكمال تحقيق أهدافها.
إضافة إلى ما تقدم، هناك مؤشرات تدل على أن الاتفاق هش للغاية منها: تهديد بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" المتطرف بـ " الانسحاب من الحكومة إذا لم تستأنف حكومة نتنياهو القتال بعد انتهاء هدنة الـ 42 يوما"، وانسحاب هذا الحزب يعني السقوط الحتمي لحكومة نتنياهو؛ بسبب فقدانها الأغلبية المطلوبة لاستمرارها. كما ان جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي عبر عن امتعاضه من الاتفاق بالقول: " لا مستقبل للسلام أو الاستقرار أو الامن...إذا بقيت حماس في السلطة في قطاع غزة".
وهناك على ما يبدو دعم امريكي لاستئناف الحرب اظهره ضمنا الرئيس ترامب بعد تنصيبه عندما سُئل عن رأيه باستمرار الهدنة بين إسرائيل وحماس، فرد بالقول: " لست واثقا". وعبر عنه-أيضا – مايك والتز مستشاره للأمن القومي بقوله: "واشنطن ستؤيد استئناف إسرائيل للقتال إذا لم تلتزم حماس بشروط الاتفاق".
وابرز المؤشرات حول انهيار هدنة غزة ظهرت من خلال نتنياهو نفسه في رسالة التهنئة التي بعثها إلى ترامب، حيث شدد فيها على ان افضل أيام التحالف بين تل ابيب وواشنطن" ما زالت أمامنا"، وأضاف" انا واثق من أننا سنكمل هزيمة محور الإرهاب الإيراني وندخل عصرا جديدا من السلام والازدهار لمنطقتنا"، وختمها بالقول: " أتطلع إلى العمل معك لإعادة الرهائن المتبقين، وتدمير القدرات العسكرية لحماس، وانهاء حكمها السياسي في غزة، وضمان الا تشكل غزة مرة أخرى تهديدا لإسرائيل"، مما يعني أن الحكومة الإسرائيلية لم تغير سياستها، ولم تتخل عن أهدافها، وانها بدعم واشنطن قد تفتح صفحة جديدة من الحرب والصراع مع حماس، والمحور الإيراني في المنطقة.
مما تقدم، من المتوقع ان هدنة غزة لن تستمر، وان الأوقات الصعبة لحماس والشعب الفلسطيني لم تنته، واذا لم يكن لواشنطن دور مؤثر في لجم جماح نتنياهو وأركان حربه، فان شهوتهم للقتال، ورغبتهم في التخلص من مشاكلهم الخارجية والداخلية بواسطتها ستكون لهما الغلبة في النهاية.