ما حصل وسيحصل.. قراءة في الظاهرة الترامبيَّة

آراء 2025/01/27
...

 محمد شريف أبو ميسم 


يحدثنا تاريخ الولايات المتحدة، الذي لا يتجاوز عمقه أكثر 250 سنة، أن ثمة ما يشبه الظاهرة الترامبية الحالية في سلوك كل من الرؤساء الأميركيين "أندرو جاكسون" الذي حكم الولايات المتحدة (1828 إلى 1832) و"مارتن فان بيورين" الذي أعقبه مباشرة، و"جيمس بوك" (1840 إلى 1844)، ما يجعل ذلك التاريخ بداية لظهور ملامح الترامبية وسيادة البيض وفقا لباحثين في الشأن الأميركي. 

اذ يصف هؤلاء الباحثون، المراحل التي شهدت صعود الحركات السياسية المقتصرة على البيض فقط، بوصفها مراحل متجددة لمعاداة الأجانب في الولايات المتحدة، إلى الحد الذي تعرّض فيه شعب "شيروكي" وهم بقايا السكان الأصليين من الهنود الحمر، إلى النقل القسري خارج أراضيهم في ولايات جورجيا وكارولينا الشمالية وكارولينا الجنوبية وتينيسي، على حساب نحو 6000 من القتلى المدنيين بأعمال العنف، بعد أن أبيد شعبهم بالطاعون على اثر تلقيهم ثماني ملايين بطانية ملوثة بجرثومة الطاعون بوصفها مساعدات لإثبات حسن النية بعد معاهدة السلام بينهم وبين البيض قبل اعلان تأسيس دولة أميركا في العام 1774. 

وعلى هذا يرى "والتر راسيل ميد" وهو باحث سياسي وصحفي أمريكي، ويتفق معه "ادوين كينت موريس" وهو باحث وسياسي "أن الجاكسونية تقدم السابقة التاريخية التي تفسر حركة أتباع ترامب في ما يتعلق بازدراء القاعدة الشعبية والشك العميق في العلاقات الخارجية والهوس بالسلطة والسيادة الأميركية"، اذ يعتقد ميد أن هذا الامتداد الشعبوي يمثل "الرغبة الأميركية بوجود شخصية جاكسونية". ومن وجهة نظر موريس، فإن الترامبية "تتشاطر مع فصيل ما بعد الحرب العالمية الأولى الذي خلق حركة ارتداد شعبوية لتغير الطبيعة العرقية في أميركا، فيما يحدد المؤرخ "ريتشارد هوفستاتر" ظهور هذا الفصيل عند تدهور جزء كبير من التقليد التقدمي الذي أصبح متعصبا وغير معتدل.

وبعد سيطرة الشركات التي تحكم العالم والتي تهيمن عليها بضع العائلات الصهيونية بقيادة عائلة "روتشيلد" اليهودية المتطرفة، لم تعد الترامبية مقتصرة على الداخل الأميركي في سياق تحكم هذه "الدولة العميقة" بالسياسات العالمية. ومع صعود الحركات المتعطشة إلى التفوق العرقي مع مجيء "دونالد ترامب" إلى سدة الحكم بعد انتخابات 2017 التي أفضت إلى فوز ترامب "على الرغم من تقدم منافسته هيلاري كلنتون بنحو مليوني صوت" اعتمدت سياسة الابتزاز والاستفزاز بوصفها مرحلة لاستخدام (العصا) بهدف تدجين الحكومات واعادة انتاج النظامين السياسي والاقتصادي العالميين على وفق الرؤية الأميركية لشكل العالم الجديد، بعد ان تم الامساك بكل شيء ابتداء من داخل حدود الدول التابعة مرورا بأدوات العولمة، سعيا بما جاء به آدم سمث في كتابه (ثروة الأمم) تحت شعار "دعه يعمل دعه يمر" واجترار لما بشر به فوكوياما بشأن حتمية نهاية التاريخ، التي صارت لازمة عند أنصار العولمة الاقتصادية بعد ثورة الاتصالات. 

وحين أفضت الترامبية إلى النتائج المطلوبة في سياق توظيف (العصا)، بعد أن شهد العالم مزيدا من التوترات على ضوء المتبنيات القائمة على الفوقية تحت شعار "أمريكا أولا" أعيد بالديموقراطيين إلى سدة الحكم في محاولة لبداية مرحلة "الجزرة" بعد أجواء دراماتيكية شهدتها الانتخابات الأميركية، أفضت إلى ردات فعل من الرئيس ترامب وأنصاره خلال حفل تنصيب "جو بايدن" وما حصل بعدها بشأن أحداث "الكابيتال".

ومع بداية مرحلة (الجزرة) بوصول بايدن، شهد العالم جملة من المتغيرات خارج ارادة "الدولة العميقة"، والتي صاحبها صعود "مجموعة بريكس" والحصول على التكنولوجيا في العديد من البلدان الرافضة للهيمنة، وما أفرزته الحرب في غزة من دمار شوّه صورة الولايات المتحدة بوصفها (دولة راعية للديمقراطية ومدافعة عن حقوق الانسان)، بعد أن سقطت صورة الكيان الصهيوني الذي لا يقهر، والذي لم يحقق من أهداف الحرب سوى الابادات والتدمير حيال الصمود الاسطوري لحركات المقاومة وتطور امكانياتها وقدرتها على المناورة، الأمر الذي أعاق تنفيذ مفردات المشروع الصهيوأميركي في المنطقة القائمة على مراحل التطبيع والاحتواء، وهذا ما يفسر وعود ترامب الجديدة الخاصة بنبذ الحروب بعد أن هدد بحرق الشرق الأوسط في حملته الانتخابية، وتغيير لهجته وهو "يأمل في التوصل إلى اتفاق نووي مع ايران وتجنب الحرب معها"، وبناء عليه فان من المتوقع أن تشهد المرحلة الترامبية الجديدة تركيزا على الحرب الاعلامية والتعمية الخبرية، باسلوب حمل العصى بيد والجزرة في أخرى لوضع ملامح المشروع الشرق أوسطي موضع التنفيذ في سياقات صفقة القرن، ما يرجح وجود سياسة جديدة حافلة بالتخبط والمتغيرات.