ترامب وإدارة {البزنس}

آراء 2025/01/27
...

 سالم مشكور


قبل الانتخابات الأميركية وبعدها، كرر الكثير من المحللين القول إن ترامب 2025 هو غيره ترامب 2016، مستندين إلى أن التجربة أكسبته خبرة وتعقلا وهدوءاً أكثر في سلوكه مما كان عليه في دورته الرئاسية السابقة. ومنذ خطاب التنصيب وتسلمه مهامه بدا واضحا أن تلك التحليلات كانت مجرد افتراضات قد تنطبق على غير ترامب، الذي لا يمكنه – بهذا العمر- أن يتغير بفعل تجربة سنوات أربع. نعم يمكن القول إنه تغيّر بالاتجاه المعاكس. بات أكثر نرجسية من قبل، وبات لا يختار إلّا المطيعين، وهم بالضرورة الأقل كفاءة وخبرة، ويريدون الصعود إلى المناصب. في دورته السابقة "تورط" بشخصيات لها خبرة وكيان تمنعهم من سماع الأمر والطاعة دون نقاش، ما اضطره إلى التخلص منهم بتغريدات على تويتر. أوضحهم مثالاً هو وزير الخارجية ريكس تيلرسون. في إدارته الحالية جاء بوزراء أثرياء وأصحاب مشاريع ضخمة، أبرزهم إيلون ماسك صاحب مصانع تيسلا وموقع أكس (تويتر سابقاً) ومشاريع فضاء، والذي تبلغ ثروته مئة مليار دولار، فيما "أفقر وزرائه" يملك مليار دولار. تعتبر هذه انتقالة في تأثير المال على السياسة في الولايات المتحدة. عادة يؤثر أصحاب المال في رجال الإدارة أو النواب ليسنوا قوانين تخدمهم، أما الآن فهم رجال الإدارة بأنفسهم ليكتمل عقد إدارة أميركية تعمل بمعايير الأعمال والمال. سيكون ذلك معياراً ومحركا لأغلب القرارات السياسية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهو ما كشفته الأوامر التنفيذية التي كانت جاهزة للتوقيع فور انتهاء مراسم التنصيب. انسحاب من كل الوكالات والمنظمات الدولية التي تحمل واشنطن عبئا مالياً مثل منظمة الصحة العالمية ومنظمة المناخ وربما سيصل الأمر إلى الناتو الذي سبق وهدد ترامب في ولايته السابقة بوقف التمويل الأميركي للحلف. الدافع المالي لا يقتصر وقف المنح بل يتعداه إلى تحصيل المال من الخارج. وليس أوضح من ذلك ما قاله ترامب بعد ساعات من تنصيبه بأنه سيزور السعودية أولا إذا ما عرضوا عليه استثمارات بقيمة 450 مليار دولار كما فعلوا في ولايته السابقة، وقدم إشارة إلى أن يصل المبلغ إلى نصف ترليون دولار. السعودية عرفت منذ الولاية السابقة أن الاستجابة لمطالب ترامب المالية الضخمة هو السبيل لكسب موقفه وهو لا يتورع عن مطالبتهم بصراحة ويكشف ذلك علناً في خطاباته في عملية ابتزاز صريحة. هذه المرة جاء الرد من ولي العهد السعودي بعرض استثمارات بمبلغ يفوق ما طلبه ليصل إلى ٦٠٠ مليار دولار. يبقى أن نرى إذا ما كان ترامب سيكرر الإيقاع بين قطر والسعودية والتي كانت وسيلة لابتزاز الطرفين.

في ما يخص الشرق الأوسط، يعد ترامب بالسلام، لكن السلام سيكون – كما تحدث مراراً قبل التنصيب- عبر توسيع نطاق التطبيع الإقليمي مع إسرائيل بعد وقف الحرب في غزّة. بذلك يرفع الحرج عن دول مثل السعودية ويمهد طريق التحاقها بمشرع التطبيع الذي يسميه المشروع الابراهيمي. أغلب أفراد إدارته من المناصرين لإسرائيل بقوة، لدرجة دعم مشروع ضمّ الضفة الغربية وتهجير سكانها الفلسطينيين إلى دول أخرى، ربما يكون غرب العراق من بينها، خصوصا بعد الكشف عن اجتماعات تمت مع سياسي من المنطقة الغربية حول هذا الموضوع. ربما يمكن الربط بين هذه المشروع، وعودة العمل على إحياء مطلب الإقليم السني، الذي تستعد شخصيات من المنطقة الغربية ومعها شخوص من النظام السابق الاجتماع في عمّان لبحثه، كما كشف عن ذلك قتيبة الجبوري في أحد اللقاءات التلفزيونية مؤخراً، مشيرا إلى أن هذا المشروع يحظى بدعم تركي ودولة خليجية صديقة لأنقرة في إشارة إلى قطر.

العلاقة مع ايران تشكل حجر الزاوية في الوضع الإقليمي، وترامب لم يتحدث صراحة عن ايران في خطاباته الثلاثة يوم التنصيب. كانت هناك خطوط تواصل بين الإيرانيين وفريق ترامب قبيل انتخابه، والأخير أشار في أحد خطاباته إلى إمكانية العودة إلى الاتفاق النووي الذي انهار بجرة قلم من ترامب. أفصح في ما بعد أن سبب الانسحاب من الاتفاق هو عدم حصول واشنطن على عقود كبيرة بعد إطلاق المليارات الإيرانية اثر توقيع الاتفاق، بل ذهب أغلبها إلى دول أوروبية. هذا يعني أن الوعود بعقود إيرانية مجزية لأميركا قد يكون طريقاً للعودة إلى الاتفاق النووي، وهذا قد يكون ضمن صفقة أكبر لن تكون بعيدة عن ترتيبات أميركية للمنطقة.