رواية من اليابان

ثقافة 2019/08/20
...

هدية حسين
قليلة هي الأعمال الأدبية اليابانية المترجمة الى العربية، وعادة ما تكون تلك المترجمة لكبار كتّاب اليابان ومنهم شوساكو إندو صاحب روايتي فضيحة، والسم والبحر، وياسوناري كاواباتا الذي تعد روايته بلد الثلج من أشهر الروايات، ويوكيو ميشيما الذي ترك إرثاً من الأعمال المهمة قبل انتحاره، ومن أبرزها اعترافات قناع.. وهاروكي موراكامي في اشهر أعماله، إستمع الى الريح تغني، والغابة النرويجية، وغيرهم .
وقد ظهر فيما بعد جيل جديد اختط له أساليب غير تقليدية تعتمد على التركيز فيما يخص مفردات الحياة اليومية البسيطة وليست القضايا الكبرى، ورواية مطبخ تدخل ضمن هذا التوجه للكاتبة بنانا يوشيموتو وهي من مواليد 1964، ترجم الرواية الى العربية بسام حجار، وصدرت في كتاب يضم رواية ثانية بعنوان خيالات ضوء القمر، الروايتان قصيرتان، بل تكاد تكون الرواية الثانية قصة طويلة، حققت رواية مطبخ نسبة مبيعات كبيرة وطبعت 60 طبعة وتحولت الى
 فيلم سينمائي.
تبدأ الرواية بسرد بسيط لكأننا نقرأ يوميات لفتاة مراهقة عن حياة الوحدة التي تعيشها، وتقصر تواجدها في البيت على المطبخ فهي تحب المطابخ حيث تجد فيها الدفء وتخفف عنها الأصوات المنبعثة من الثلاجة ذلك الصمت المريب الذي تشعر به والإحساس بالوحشة، وبعد أيام من وفاة الجدة يأتي بائع الزهور (يويشي) الذي كان يعرف جدتها المغرمة بشراء النباتات والزهور ليعرض عليها السكن في بيته حيث يعيش مع والدته، ولم ترفض ميكاج، ها هي تجد عائلة تخفف عنها الوحدة، خصوصاً وأنها غير قادرة بعد الآن على دفع مستحقات الايجار لفترة طويلة، لكن ما إن نصل الى الصفحة 32 حتى تبدأ الأحداث البسيطة بالصدمة عندما تكتشف ميكاج أن أم صديقها التي أبهرها جمالها وأناقتها وتدعى أريكو كانت بالأصل رجلاً هو أبوه، فلماذا حوّل الأب جنسه الى امرأة تقوم بكل ما تقوم به الأم والمرأة؟ وكيف ستكون مشاعر الأم التي كانت أباً مع الإبن وبالعكس؟ لا يأخذ هذا التحول محوراً أساسياً في الرواية كما يظن القارىء على الرغم من أهميته وقلة من كتبوا في هذا الموضوع، فقط يخبرك بأن هذا الأب المتحول الى أم سعى لهذا الأمر بعد موت زوجته (أم يويشي) لكي لا يتزوج امرأة بعده فقد كان يحبها جداً..
وإنما تبحث الرواية في طرق العيش البسيطة ومواجهة صعوبات الحياة وتعقيداتها حينما يجد الإنسان نفسه منفرداً أمام الوحدة التي يعيشها، إذ ترتبط الأحداث البسيطة بسؤال تبدأ به الرواية: ماذا تفعل فتاة في العشرين من عمرها بعد وفاة جدتها التي لطالما عاشت في كنفها، ماذا تفعل إذا شعرت فجأة أنها أصبحت من
 دون أسرة؟
جاء في مقدمة الكتاب الصادر عن سلسلة إبداعات عالمية التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت، عن موجة الكتاب الجدد (.. ما تسعى رواية هؤلاء لاستكشافه هو الذات الملتبسة بصلتها بالآخر، الماضي لم يعد بطلاً روائياً، والماضي لم يعد مثالاً للغبطة، كما لم يعد منهلاً للحنين، والأفكار لم تعد ذريعة للسرد الروائي، الأفراد والأشياء وتفاصيل العالم الصغيرة أصبحت هي ما تستحق أن تكونه) هكذا إذن تقاطع هذا الجيل مع سابقيه في البحث عن أساليب جديدة تناسب زمنه، وبالعودة للرواية سنتابع  ميكاج حياتها في بيت أريكو وابنها يويشي الذي يصبح صديقاً حميماً لها، أول ما يبهرها في البيت إضافة الى ترتيبه ونظافته هو المطبخ الواسع، إن اهتمامها بالمطابخ سيغير حياتها نحو الأفضل، لذلك تبحث عن الوصفات في الطعام
 وتبرع في إعدادها، ولا يقف الأمر عند ذلك، فحين تجد نفسها أنها لم تستطع مواصلة دراستها الجامعية، ستتبع حلمها، وهكذا تذهب الى مدرسة في الطبخ تديرها سيدة مشهورة لها برنامج في التلفاز وكتابات في المجلات عن الطبخ، وشيئاً فشيئاً تصبح ميكاج مساعدة للمديرة نتيجة شغفها بالطبخ والبحث عن كل ما يعزز هذا 
الشغف.
أما علاقتها بصديقها ميكاج فتمضي هي الأخرى بهدوء، ليس هناك حب جارف، ولا تقاطع، يقربهما بعد ذلك موت أريكو قتلاً على يد رجل لم تبادله المشاعر، فيمسي يويشي وحيداً يعاني من الفقدان ويمر بالظروف نفسها التي مرت بها صديقته، يحس بفراغ لا تملؤه سوى ميكاج التي تحرص على راحته وتطبخ له ما تعلمته في المدرسة، وتواجه بعض الاشكالات التي تُحل بمرور الوقت، هذه هي الموضوعات التي يهتم بها الأدباء الجدد ويكتبونها بحساسية مغايرة، فمفردات الحياة الصغيرة إن لم تجد لها من يهتم لها ستصبح عقبات تستفحل مع الوقت.. ربما تقول لك الرواية في النهاية، إن على الفرد أن يسعى لتحقيق أحلامه مهما كانت بسيطة طالما يحبها، وليس عليه أن يكون بطلاً تراجيدياً لقضايا أكبر مما توفره
 له الحياة.