الشاعر البخيل

ثقافة 2019/08/20
...

حسين الصدر 
 
- 1 - 
البخل قبيحٌ مِنْ كل انسان ولكنّه من الموسرين أقبح .
ومروان بن أبي حفصة – الشاعر الشهير – هو من اولئك البخلاء مع يساره جاء في ترجمته انه :
“ كان ابخل الناس على يساره وكثرة ما أصابه من الخلفاء لا سيما من بني العبّاس فانه كان رَسْمُهم أنْ يعطوه بكل بيت يمدحهم به ألف درهم “
ونحن نورد في هذه المقالة بعض القضايا والوقائع التي تصور شدة بخله 
 
- 2 - 
قال :
“ ما فرحتُ بشيءِ قط فرحي بمائة ألف وهبها لي .. المهدي فوزنْتُها فزادت درهماً فاشتريتُ به لحما “
انظر الى الخِسةِ والشحّ حتى على نفسه ..!!
 
- 3 - 
** 
مرّ في بعض سفراته بامرأة من العرب فأضافته فقال :
للهِ عليّ إن وهَبَ لي الأمير مائة الف أن اهب لك درهماً فأعطاه ستين ألف درهم فأعطاها أربعة دوانق .
(الدانق : سدس الدرهم ) وهذا منتهى البخل والحرص ..!!
 
- 4 -
 اشترى مروان لحماً بنصف درهم فلما وضعه في القدر وكاد أنْ ينضج ، دعاه صديق له ، فردّه على القصاب بنقصان دانق ، فشكاه القصّاب وجعل ينادي :
هذا لحم مروان ..!!
وظَنَّ انه يأنف لذلك، فبلغ الرشيد ذلك فقال :
ويلك ! ما هذا ؟
قال :
أكره الاسراف 
أقول :
ان البخيل يجعل نفسه عُرضة للاستهتار والاحتقار من قبل الناس ، وهو في كل ذلك يهدم كرامته بيده ، ويستهين بشخصيته ويسجل المآخذ عليه في سيرته ...
هجاه أحدهم فقال :
ترى اللؤم في العجلان يوماً وليلة 
وفي دارِ مروانٍ ثوى آخرَ الدهرِ
 غدا اللؤم يبغى مطرحا لرحالِهِ 
فنقَّب في بر البلاد وفي البحرِ
 فلما أتى مروان خيّم عنده 
وقال رضينا بالمقام الى الحشرِ
وليست لمروان على العرس غَيْرةٌ 
ولكنَّ مرواناً يغارُ على القِدْرِ
وهكذا ضاعت حرمتُه عند الناس ..!
وهكذا هو البخيل في سائر الأعصار والأمصار .
 
- 5 - 
وقد كان بارعاً في انتزاع المال من الملوك بنحوٍ عجيب :
أنشد (الهادي) قوله فيه :
تشابه يوما بأسه ونوالِهِ
فما أحدٌ يدري لايّهما الفضلُ
فقال له الهادي :
ايما احب اليك .
أثلاثون ألفا معجلة أم مائة ألف تدون في الدواوين ؟
فقال له :
يا امير المؤمنين 
أنت تحسنُ ما هو خير من هذا ، ولكنك نسيتَه أفتاذن لي ان أذكرك ؟
قال : نعم 
قال : تعجل لي الثلاثين ألفاً ،
وتدوّن المائة الألف في الدواوين 
فضحك 
وقال :
بل يعجلان جميعا ، فحمل المال اليه أجمع ..!!
أقول :
وعلى مثل هذا البخيل تبدد أموالُ المسلمين مِنْ قبل ملوك بني العباس دون هوادة ، وكأنّها ميراثهم من آبائهم ..!!
ولا حول ولا قوة الاّ بالله العلي العظيم .
ولا تنسَ انّه كان يتقرب لبني العباس بمثل قوله :
أنّى يكونُ وليس ذاك بكائنٍ
لبني البنات وراثةُ الأعمام 
في هجمة مسعورة على الهداة الميامين من آل المصطفى (عليهم السلام) وقد اجابه (جعفر بن عفّان الطائي) بقوله :
لِمْ لا يكونُ وانّ ذاكَ لكائِنٌ 
لبني البناتِ وراثةُ الأعمامِ 
للبنتِ نصفٌ كامِلُ من مالِهِ
والعمُّ متروكُ بغيرِ سهامِ 
ما للطليقِ وللتُراثِ وانّما 
صلّى الطليقُ مَخَافةَ الصمامِ 
وهو جواب مفحم 
 
- 6 -
وعجائب البخلاء وغرائبهم لا تنقضي أبداً ...
فقد حدّثني أحد الأحبة عن واحد من هؤلاء البخلاء انه ينام على رزم النقود عند اشتداد الحر ويحرك ظهره ويقول :
هذا هو التبريد ..!!