I
كيف نتساءلُ عن حرفة رجل الدِّين، وحرفة رجل العلم؟ وعن العلاقة بين الحرفتين؟ درجت العادة، منذ اِصطدام البِنى المجتمعيَّة العربيَّة الأصليَّة بالمفاهيم المنتَقَلة إلينا من بلدان العلم، الناتجة عن البِنى المجتمعيَّة فيها، على أن يكون لرجل الدِّين كلمته في كل الموضوعات الوجوديَّة الأساسيَّة. ولكن، من أين يستمد رجل الدِّين مشروعيَّة الكلمة؟ وكيف يتجاوز كل الحدود المعرفيَّة، في الحديث عن كل شيء؟
II
ينتمي هذا التَّساؤل إلى ماهيَّة المعرفة الدينية. ففيما يقوم الدِّين على النص الديني، وضروب تَأرُّخٍ مختلفة لوجود المجتمع الديني، تقوم المعرفة الدينية على أسس ثلاثة: I العودة إلى النص في كل مسألة من مسائل المجتمع، والإنسان، II إعادة بناء الوحدة المجتمعيَّة، III إعادة توجيه المجتمع، بالقضاء على ضروب التعدُّد. وبناءً على ذلك، فإنَّ مشروعيَّة رجل الدِّين داخل المجتمعات الدينية تقوم على مشروعيَّة قيام الـ[ميتا- فيزيك] داخل الذَّوات.
III
أين تكمن ضرورة تجاوز التعدُّد، والقضاء عليه، إلى وحدة المجتمع؟ ما الضرورة من إنتاج نسخ مكرَّرة من [النموذج- المثال] للإنسان نفسه، عند المعرفة الدينيَّة؟ تخاطب المعرفة الدينية داخل الذَّات: ذات الإنسان الواحد، وتتواصل مع داخل الذَّوات، المحدَّدَة دينيَّاً. وعند هذا المستوى، لا ثَمَّةَ عقبات أمام رجل الدِّين في قول أي شيء، من أي منظور، بأي منهج، وبأي فهم، مهما كان. لماذا؟ لأنَّ كلامه يقوم على معيار أوَّلي- بدائي بسيط للغاية: ينبغي فعل هذا لأنه صحيح، ولا ينبغي فعل ذاك لأنه خاطئٌ. وحتَّى لو اِدَّعت المعرفة الدينية اِحترامَ التعدُّد، ودَعَتْ إلى قبول الاِختلاف، ودولة الاِختلاف، وحق الاِختلاف، فإنَّها تبقى اِدِّعاءات لا تتجاوز كلمات لا تتوفَّر على أيَّة مضامين، ولا أيَّة منظورات فلسفية- علميَّة- وجودية عميقة. لماذا؟ لأنَّ ماهيَّة المعرفة الدينية لا تقوم على [التعدُّد- في- الوجود- المجتمعيّ].
IV
في المقابل، ماذا يفعل رجل العلم، بالمجتمع والإنسان؟ إنَّه لا يفعل إلاَّ هذا:
I- يُحدِّدُ الدِّينَ بوصفه موضوعاً مجتمعيَّاً، والإيمان بوصفه مسألة إنسانية. II- يضع حدود العلاقة بين الدِّين، والتدُّين، وبين عالَم الفهم بموضوعات المجتمع والإنسان الحديثة، على أنها علاقة وظيفية. فيتفحَّصُ الوظيفة المجتمعيَّة للدين، والتديُّن. III- ينطلق من بداهة اِختلاف [منطق- فهم- الدِّين]، عن منطق الفهم الخاصّ بالمعرفة العِلميَّة الحديثة. IV- فلا ثَمَّ صراع عند العالِم بين عالَم الدين، وعالَم العلم. بل ثَمَّ حقل تمييز بينهما، وفصل.
V
فطالما داخل الذَّوات يبقى ممسوكاً من جذره العميق من قِبَلِ المعرفة الدينية، وطالما لا تتوفَّرُ شروط إمكان قيام العلم بالمجتمع والإنسان، في مجتمعاتنا العربيَّة، يبقى رجل الدِّين هو العالِم الوحيد العارف بكل شيء، مهما كبر، أو صغر، ومهما اِتسع، أو ضاق. ولا تجدي نفعاً دعواتُ التديُّن الفردي، والهروب إلى كهف الوحدة، والضروب المختلفة التي تتلاعب بمجتمعاتنا العربيَّة بواسطة لُعَبِ Puzzel مفاهيم، طالما داخلُ الذَّات مستمراً على داخل الذَّات كما هو، له، به، وفيه.