قانون المحكمة الاتحادية بين مساعي التشريع والعقبات القانونية

العراق 2019/08/25
...

بغداد / أحمد محمد 
 

فيما تستعد اللجنة القانونية في مجلس النواب لعرض مشروع قانون المحكمة الاتحادية للقراءة الثانية بعد انطلاق الفصل التشريعي في جلسة منتصف الأسبوع المقبل بعد استكمال إجراء التعديلات على القانون، لكن يبدو أن ثمة ثغرات مازالت تشكل عقبة أمام المضي بإقرار هذا القانون وسط تضارب الرؤى السياسية حول شكل هذه المحكمة أو عدد أعضائها أو آلية ترشيحهم أو حتى أعمارهم، لتبقى هذه العقبات -منذ 15 عاماً- عائقاً أمام تشريع القانون.
 وتواصل “الصباح” تقديم آراء المختصين لتسليط الضوء على أبرز الملاحظات على القانون المذكور لأهميته في تكوين الدولة العراقية وتأثيره المباشر في العملية السياسية والإدارية في البلاد. يقول عضو اللجنة القانونية النيابية محمد الغزي في حديث خاص لـ “الصباح”: إن “قانون المحكمة الاتحادية يعمل وفق قانون دولي لا يقل أهمية عن الدستور فهو التفسير الوحيد لنصوصه، لذا على مجلس النواب الإسراع في تشريع هذا القانون الذي طال انتظاره أكثر من خمسة عشر عاما”. ودعا الغزي، الى “تكاتف الجهود بين أعضاء اللجنة القانونية لإعادة كتابة نصوص القانون للتصويت عليه بعد أن أصبح التصويت العقبة الرئيسة أمام تشريعه، في ظل اختلاف التوافقات السياسية، إذ يحتاج الى ثلثي أصوات اعضاء مجلس النواب للموافقة على تمريره”، مبيناً إن “هناك سلسلة تعديلات ستجرى على المسودة الحكومية لتحديد ولاية المحكمة بتسع سنوات وعمر العضو بـ 73 سنة”

تأخير التصويت
عضو اللجنة القانونية عالية نصيف أشارت في حديث لـ “الصباح”، الى أن “قانون المحكمة الاتحادية تأخر للتصويت عليه كثيراً وذلك بسبب عدم توافق الكتل السياسية داخل القبة البرلمانية على بعض من المواد التي حصل الاختلاف عليها والتي يتمحور قسم منها حول اختلاف النواب العرب والكرد في التصويت عليه بـ (الأغلبية) أو (الاجماع)، إذ يرغب الكرد بالإجماع وليس بالأغلبية، وهذا الخلاف مازال قائماً الى الآن، كما أن هناك خلافا تم حسمه بما يتعلق بموضوع حق (فقهاء الإسلام والخبراء) في التصويت مع قضاة المحكمة الاتحادية ووجودهم من عدمه مع إمكانية استخدام (الفيتو)”.
وتضيف، أن “الخلاف الذي تم حسمه هو موضوع إبقاء جزء من قانون المحكمة الاتحادية كـ (خميرة) لتشكيلتها الجديدة، وأما بما يتعلق بعدد أعضاء المحكمة الاتحادية وتسمية الأول والثاني فالعملية السياسية (محاصصاتية) وبالتالي فان العدد يقل أو يزيد وفق التوافقات السياسية بين الكتل”.
وتشير نصيف، إلى أن “هناك حاجة الى تحديد عمر أعضاء المحكمة الاتحادية؛ لأن رغبة أعضاء المحكمة الحاليين بأن يبقى الأمر مفتوحاً غير مقبولة، كون الانسان قد يصل الى مرحلة لا يستطيع فيها أن يفقه من الأمور شيئاً، لذا كانت هناك ضرورة  بأن يخضع قاضي المحكمة الى قانون التقاعد الحالي أو أن يمدد بعدد من السنين التي يتم تحديدها بعدد من الدورات بغض النظر عن عمره، فإذا كان عمره على سبيل المثال 70 عاماً يحكم بعدد من الدورات تكون الواحدة منها ست سنوات أو دورتين بمدة أثنى عشر عاماً بحسب قدرته  العقلية، وهذا الأمر محط خلاف أيضاً بين أعضاء مجلس النواب ولم يتم حسمه الى الآن، لذا تأخر موضوع التصويت على هذا القانون بسبب غياب التوافقات السياسية على المواد التي تم ذكرها آنفاً”.
وتختتم عضو اللجنة القانونية عالية نصيف حديثها لـ “الصباح” بالقول: “نعتقد أنه سيجرى تعديل لقانون رقم 30، لأن المحكمة الاتحادية ألغت المادة الثالثة من قانون المحكمة الاتحادية وبذلك أحدثت نوعاً من الفراغ التشريعي بأنه في حالة الوفاة والعجز المعين لأحد أعضاء المحكمة فلا نستطيع أن نأتي بآخر بسبب إلغاء المادة الثالثة من القانون الحالي، ومجلس النواب يذهب باتجاه تعديل قانون المحكمة الاتحادية في حالة عدم التوافق على القانون الأصلي”.
 
الفصل المقبل
من جانبه، يشدد عضو اللجنة القانونية حسين العقابي في حديث خاص لـ “الصباح”، على ضرورة “تمرير قانون المحكمة الاتحادية خلال الفصل التشريعي المقبل، إذ لا يمكن أن نكون على مدى 15 عاماً عاجزين عن إيجاد حل لمسألة بهذا الحجم، لذا فإن التأجيل غير مقبول وعلينا أن نكون عند حسن ظن الشعب ونحاول أن نصل الى صيغة 
توافقية”.
ويرى العقابي أن “هناك أطرافا معينة تريد أن تخالف الحالة الطبيعية لنسب التصويت؛ لذا يجب حسم موضوع قانون المحكمة الاتحادية والمضي بتشريعه خاصة وإن الفقرة الثالثة من قانون رقم 30 لعام 2005 الخاصة بترشيح أعضاء المحكمة الاتحادية تم إلغاؤها بالقانون الحالي وهذا ما أحدث خللاً في القانون، وهذا أيضاً أداة ضاغطة من أجل الاسراع بتشريع القانون، فهذا الفراغ القانوني يؤثر وبشكل سلبي في قضية الترشيح”.
ويضيف، “نحن ضد تعديل قانون المحكمة الاتحادية الحالي ومع تشريع قانون جديد، لذا مازالت وجهات النظر بين أعضاء مجلس النواب قيد النقاش والاتفاق، ونأمل بأن يحل هذا الموضوع خلال الفصل التشريعي
 المقبل”.
 
توافق سياسي
أما عضو مجلس النواب جاسم موحان البخاتي، فأكد في حديث لـ “الصباح”، بأنه “من المفترض الاتفاق على مشروع قانون المحكمة الاتحادية في الفصل التشريعي الثالث، ومن أهم التحديات في هذا الموضوع هي عملية الاتفاقات السياسية على توزيع القضاة وفق أهواء الكتل السياسية أو يكون الترشيح من داخل الكتل، لذا نذهب باتجاه أن تكون المحكمتين الادارية والاتحادية مستقلتين وحتى الانتخابات يجب ان تكون بعيدة عن مؤثرات الأحزاب”.
ويتوقع النائب البخاتي، “تمرير القانون خلال الفصل التشريعي المقبل، ورغم المطبات المحتملة فإننا عازمون على حسم ما فاتنا في الفصلين التشريعيين الأول والثاني، وذاهبون بحزمة من التشريعات المهمة التي ترتبط بعلاقة بالمنهاج الحكومي والجهاز التنفيذي الذي رشح أكثر من 113 مشروعا من هذه المشاريع ذات العلاقة المباشرة بالحكومة ومؤسسات
 الدولة”.
 
رؤية قضائية
بدوره، يؤكد القاضي ناصر عمران لـ “الصباح”، بأنه “من خلال ما أثاره قانون المحكمة الاتحادية في مشروعه المقدم من رئاسة مجلس الوزراء الى مجلس النواب في دورته الحالية وما تلاه من قراءة أولى، وما تمخض عن ذلك من رؤى وأفكار ونقاشات برلمانية وسياسية، وما تم طرحه من قبل المحكمة الاتحادية من ملاحظات على مشروع القانون، فإننا نرى أن هناك ثوابت لابد من تحققها عند تشريع هذا القانون من أهمها المحافظة على استقلالية القضاء، فقد حسم الدستور أمر المحكمة الاتحادية وطبيعتها القانونية فنص على أنها (هيأة قضائية، وإن الرقابة على دستورية القوانين هي رقابة قضائية) وزاد المشرع العراقي في منح المحكمة الاتحادية العليا صلاحيات أوسع من تلك الصلاحيات التي قررها الدستور الأميركي، فقد أعطى المشرع العراقي الحق للمحكمة الاتحادية بإلغاء القوانين والقرارات والأنظمة والتعليمات والقرارات الصادرة من أي جهة تمتلك حق إصدارها عندما ترى المحكمة الاتحادية إنها (غير دستورية)، في حين لا يتم إلغاء ذلك وإنما تمتنع المحاكم عن تطبيقه ويظل القانون قائماً في القضاء الأميركي، وهذه الاستقلالية لا تقف عند استقلالية المحكمة الاتحادية في العمل القضائي فحسب وإنما يجب أن ينسحب ذلك الى تعيين قضاة المحكمة الاتحادية عن طريق القضاة أنفسهم، وأي تدخل في اختيار أو ترشيح قضاة المحكمة من قبل السلطة التشريعية أو التنفيذية أو أية جهة أخرى هو انتهاك لاستقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين
 السلطات”.
ويوضح القاضي عمران، إن “مشروع قانون المحكمة الاتحادية المنشور في موقع مجلس النواب، تضمن تداخلا ًفي العمل القضائي حين اعتبر خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون في القضايا المتعلقة بالدين وثوابت الديمقراطية جهات معطلة للحكم القضائي، وتضمن المشروع خلطاً واضحاً بين تكوين المحكمة الاتحادية والتي نصت عليها المادة 92/ثانياً:- (تتكون المحكمة الاتحادية العليا، من عددٍ من القضاة، وخبراء في الفقه الإسلامي، وفقهاء القانون، يُحدد عددهم، وتنظم طريقة اختيارهم، وعمل المحكمة، بقانونٍ يُسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب)”.
ويبين، أنه “بين تشكيل المحكمة أبان تصديها للدعوى وإصدار قراراتها؛ فالتشكيل عمل قضائي والتكوين عمل إداري، فالمحاكم تتكون من مجموعة من الموظفين والمعاونين القضائيين والباحثين الاجتماعيين والموظفين المختصين بوظائف إدارية وحسابية لكنهم لا علاقة لهم بتشكيل المحكمة وإجراءات المرافعة وصولاً الى القرار، فالدستور حين نص على أن المحكمة الاتحادية تتكون من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء في القانون لا يعني تشكيل المحكمة والتصدي للإجراءات القضائية وصولاً لإصدار القرار، فالعمل برمته عمل قضائي بحت والتدخل في العمل القضائي يعتبر انتهاكا ًلاستقلالية القضاء ومبدأ الفصل بين السلطات”.
ويضيف القاضي عمران، إن “عبارة الخبراء الواردة في الدستور بالنسبة لخبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون لا تعني البتة أنهم أعضاء في تشكيل المحكمة إنما هم أعضاء في تكوين المحكمة بصفة خبراء ومفهوم الخبير وطبيعة عمله واضحة وهي تقديم الخبرة المطلوبة في القضايا التي تدخل ضمن اختصاص عملهم كفقهاء في الدين الإسلامي أو فقهاء في القانون، كما إن مشروع القانون تضمن عند اختيار أعضاء المحكمة الاتحادية مراعاة المكونات وهو نص لا ينسجم مع مفهوم المساواة بين المواطنين ويؤدي الى (المحاصصة)، وتضمن مشروع القانون كذلك نصوصا لا تنسجم مع النص الدستوري والرؤية الدستورية مثاله التباين في عدد خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون إضافة الى تعطيل الأحكام القضائية على موافقة هؤلاء الفقهاء في القضايا الخاصة بثوابت الاسلام والقضايا الخاصة بالحقوق والحريات وأسس 
الديمقراطية”.
ويشدد القاضي، على إن “المسؤولية القانونية تتطلب تشريع قانون للمحكمة الاتحادية وتشكيل هرمية قانونية مؤسسة لحكم القانون ودولة المؤسسات وضمانة حقيقية للحقوق والحريات وحماية الخصوصيات العقائدية والشخصية، وذلك لا يتحقق إلا من خلال استقلالية العمل القضائي وتجسيد الرقابة القضائية، وقد قيل (إذا كان الدستور هو روح الأمة فإن القضاء هو القيّم على هذه الروح والضامن لكفالة الحقوق والحريات للمواطن والداعم لدولة القانون
 والمؤسسات)”.