مجرد انتباه

ثقافة 2019/08/25
...

ياسين النصير
 
نحن محاطون حياتيا بأشياء عديدة،  قد يكون بعضها من صنع أيدينا وقد تكون متوارثة وقديمة، تكاد هذه الأشياء أن تسد علينا نوافذ الرؤية، أو لا نستطيع حتى التحرك بحرية عندما نكون في المكان الذي نشغله، وقد يكون فعل الأشياء من القوة بحيث، من الصعوبة تحريكها أو ازاحتها، عندئذ نضطر إلى تغيير التفاعل معها، هذه صور جزئية لما نعيشه يوميًا في أمكنتنا، ونتيجة للتعود، والاستمرار أعتدنا أن نتحرك كالفئران بين الاشياء دون إزاحتها، مما يعني أننا تعودنا على نمط من سياق حياتي ألفناه بالتجربة ولكن ثمة قوى مبهمة قد تغير مسار هذا التعود.
ليست الحياة دائما تكون على هذه الشاكلة من الاكتظاظ والإزدحام، ولا هي وجدت بمثل هذا الاكتظاظ، بحيث عندما نسافر أو نذهب للمسابح والشواطئ، نجد أنفسنا وأجسامنا في حرية حركية لا نستطيع السيطرة عليها، فتنهض من دواخلنا تلك الطفولة، فنروح نقفز، ونلعب ونركض، ونتسلى، وكأننا نملك حرية كانت غائبة عنا.
في السياق المضاف لسياق البيت وحدود المسافة في أحياز كل واحد منا، نجد أنفسنا نمارس اللعب ذاته في المساحات الواسعة، ولكن دون حركة كبيرة، هنا، تبرز حاجة التعبير باللسان، أو بالبدن. فأعضاء الكائن الحي تستطيع استبدال مهماتها في حال تعطيل فعل واحدة من الحواس أو اكثر، هكذا نواجه صعوبة الحياة التي تبدو أحيانا انها تلعب معنا لعبة التقادم والعجز. فالذي كان يتحرك في مسافة ضيقة مزدحمة بالأشياء، هو نفسه الجسد الذي كان يلعب بحركات واسعة وهو على البلاج أو في ساحة ملعب للكرة، أم ايام الطفولة وسنجد أن اللغة  واحدة، ولكنها متنوعة، لأنها لغة الجسد الذي يتغير، والإنسان ليس جسداً فقط كما نعرف، بل بدناً وجسداً، وغرائز وعلاقات مع العالم،ونزعات مدفونة في بئر الذاكرة، وهنا يبدو أننا دخلنا في الانثروبولوجيا وفي علم النفس التشريحي، لأن الجسد يميل إلى العلاقة مع العالم الخارجي عندما يكون قادرا على التفاعل،وإلا سحق واضمحل، الموت هو نتيجة لعدم قدرة الجسد على التفاعل  ينموالجسد ويتفاعل بالحركة، يشغل المسافات ويحتك بالآخرين،عندما تكون له حاجة، يتعامل في السوق وقد يدخل في مشكات، عندا يحتك ذاتا بالآخر، كا ما يرتبط بالعالم الخارجي هو من شأن الجسد، لذلك يعتمد الممثل في المسرح على الجسد، ليحاكي نموذحا ما، بينما يكون البدن إلى الداخل، العواطف والمشاعر،وتنوعات الأنا، والخفايا المكبوتة، والرغبات المتحققة، والتفالع الفسيولوجي في التمثل الهضمي وغيرها من شأن البدن كما يشير ميرولوبونتي، هذا التكوين الداخلي للإنسان، يختص بعالم الابتكار والإبداع، والتفكير، والإختيار،والإدراك، والوعي، والخيال، ولذلك نحن نفكر  في حياتنا اليومية تفكيرين: تفكير خارجي هو ميدان أجسادنا  في علاقتها مع العالم المحيط بنا، وتفكير داخلي هو ما يجب أن نتعامل به مع حاجاتنا، ومواقفنا، وأرائنا، وحياتنا ومشاعرنا تجاه كل القضايا؛ بما فيها الأكل، والنوم، والعلاقة، والصداقة، والجنس، والتفكير، والكتابة، والفن، والابداع، كل هذه الحقول وغيرها، من اختصاصات البدن، وقد درست هذه الظاهرة باستفاضة من قبل هايدغر وميرلوبونتي، في ما سمي بظاهرية الإدراك. نحن في عالمنا اليومي، هذا العالم الذي نخلق في حياتنا أجزاء منه، ويخلق الآخرون الكثير منه، نحن لا ننتمي لهذا العالم،كليا، إلا متى ما كانت أجسادنا وأبداننا، بحاجة إلى أن تكون متفاعلة معه، ولذلك اهتمت الأديان، كما الفلسفات بالبدن، ولم تهتم بالجسد، مما يعني ان البدن يتصل بالكمال، والتفكير الناضج، والأشياء التي تنمي العقل وتزيد من مساحة الحرية والعلاقات 
الإجتماعية.