صالح الشيخ خلف
يبدو ان المشهد العراقي يقترب من المشهد السوري ليس على خلفية التطورات الميدانية وانما على خلفية الحملات الجوية التي تكررت خلال الشهرين الماضيين مستهدفة بعض المقار ومخازن السلاح التابعة للحشد الشعبي كان اخرها معكسر بلد .
وعلى الرغم من ان وزير الدفاع نجاح الشمري قال بانه لا يمكن له ان يتحدث عن هذه الحملات قبل استكمال التحقيقات الجارية حاليا، الا انه بات واضحا ضلوع القوات الامريكية وبالتعاون مع اسرائيل في استهداف هذه المقار خصوصا بعد البيان الذي اصدره نائب قائد قوات الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس والذي اتهم فيه صراحة القوات الامريكية بتسيير طائرات دون طيار اسرائيلية منطلقة من معسكر امريكي في كردستان العراق . اضف الى ذلك استدعاء القائم باعمال السفارة الامريكية في بغداد براين مكفيترز بغياب السفير الامريكي من قبل وزارة الخارجية العراقية من اجل توضيح الموقف الامريكي خصوصا وان بغداد لديها اتفاقية الشراكة الستراتيجية مع واشنطن في الجوانب الامنية والاقتصادية. ولمح البيان الصادر من وزارة الخارجية الى ان وزير الخارجية محمد علي الحكيم الذي التقى المسؤول الامريكي اوضح « عدم رغبة الحكومة العراقية في جعل العراق ساحة للنزاع والاختلاف » من دون ان يذكر البيان تفاصيل لكنه كان واضحا بانه كان يتحدث عن الحشد الشعبي وعلاقته بايران .
حتى الان مازال الوضع مربكا بالنسبة لتحديد المسؤولية. وماعدا ما صدر من نائب قائد الحشد الشعبي ابو مهدي المهندس وما صدر من قائد الحشد فالح الفياض الذي نفى ما قاله نائبه، لم يصدر اي تعليق من القيادة العامة للقوات المسلحة المعنية بهذا الامر مما اسهم في استمرار التكهنات حول الجهة الحقيقية التي تقف وراء قصف مخازن السلاح التابعة للحشد الشعبي .
وبعيدا عن الجهة المسؤولة سواء كانت امريكية او اسرائيلية، بشكل مباشر او غير مباشر، الا ان الاكيد ان هذه الحملات مرتبطة بتداعيات التصعيد بين طهران وواشنطن وتحديدا بالرغبة الامريكية والاسرائيلية لما يسمونه بتقليم «الاظافر الايرانية » في العراق ، او بعبارة اوضح «قطع اليد الايرانية في العراق» سواء عسكرية كانت ام امنية ام اقتصادية. ومرتبطة ايضا بتداعيات «صفقة القرن» التي يريد الرئيس الامريكي دونالد ترامب تنفيذها في الاراضي الفلسطينية المحتلة لانهاء ما يعتقد بالنزاع العربي الاسرائيلي.
ميوعة الموقف الرسمي العراقي تعطي مبررا لجميع الاطراف الداخلية والخارجية لتنفيذ اجندتها التي لا تخدم المصلحة العراقية خصوصا وان اسرائيل هي الان على الخط العراقي بشكل مباشر كما نوه بذلك نتن ياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني. واذا كانت بعض الاوساط تتعامل بحذر مع السفارة الامريكية في بغداد لاسباب معروفة، لكن الموقف من اسرائيل يجب ان يكون رادعا وان يكون ضمن الخطوط الحمراء للحكومة العراقية وللاوساط العراقية الحزبية والدينية والشعبية.
ان تقاطع المصالح في داخل العراق لا يخدم العملية السياسية كما لا يخدم امن واستقرار العراق . هذا الفهم يجب ان يعلمه الجميع لان استمرار الميوعة في الموقف الرسمي يؤثر سلبا في موقف الحكومة العراقية وعلى الية تعاطيها مع تطورات الموقف المرشح للتصعيد خصوصا اذا كان هناك تضارب في المواقف كما حصل بين قيادات الحشد الشعبي بشان مسؤولية الجهة المنفذة لضرب معسكرات فصائل الحشد الشعبي . الموقف الامريكي – باعتباره الموقف المهم في العراق - يشوبه الكثير من الغموض وعدم الشفافية . فالمتحدث باسم وزارة الدفاع الامريكية شون روبرتسون نفى « اي علاقة للولايات المتحدة بالانفجارات التي وقعت اخيرا في مخزن للسلاح في العراق » في الوقت الذي اكدت فيه مصادر دبلوماسية غربية اقليمية عن مصادر وزارة الخارجية الامريكية نفيها تورط اسرائيل بالحملات الجوية على مقرات الحشد الشعبي . اما السفارة الامريكية في بغداد فانها تسرب لاصدقائها ان اسرائيل هي المتهمة في ذلك. هذه المواقف تتجاهل الحكومة العراقية وتتجاهل السيادة العراقية وتتعامل معها بنوع من البساطة والسذاجة ، الامر الذي يؤشر على تداعيات خطيرة اهمها عدم التزام الولايات المتحدة باتفاقية الشراكة الستراتيجية الموقعة بين البلدين وعدم اهتمامها بالسيادة العراقية الوطنية .
واذا كانت الحكومة الامريكية الحالية قد ابتعدت عن الملف العراقي لاسباب تتعلق ببرامج الرئيس الامريكي دونالد ترامب والية تعاطيه مع الملفات الخارجية، فان ذلك يضغط على الواقع العراقي لترتيب اوراقه وترتيب البيت من الداخل لمواجهة التحديات المترتبة عليه خصوصا في المجال العسكري والامني في اطار التفاهم وتوحيد الروى حيال التطورات وبحالة من المسؤولية الوطنية بعيدا عن الاصطفافات الحزبية والفئوية الضيقة .