اعتراضات واسعة على دور {فقهاء الشريعة» في المحكمة الاتحادية
العراق
2019/08/26
+A
-A
بغداد / شيماء رشيد / عمر عبد اللطيف
وبينما كشفت اللجنة القانونية في مجلس النواب عن وصولها الى مرحلة إعداد الصيغ النهائية لقانون المحكمة الاتحادية، تواصل "الصباح" نشر سلسلة تقاريرها وتحقيقاتها بشأن القانون المذكور لما يمثل من أهمية كبيرة في بنية وتنظيم الدولة العراقية بجوانبها الدستورية، ولما للقانون من تأثير مباشر في العملية السياسية واستقرار المجتمع بجميع مكوناته.
صعوبة التمرير
عضو اللجنة القانونية بهار محمود أكدت في حديث لـ "الصباح"، أن "قانون المحكمة الاتحادية من القوانين المهمة التي إذا ما شرعت ستحل الكثير من القضايا، ولكن الخلافات بشأن القانون المذكور خاصة ما يتعلق بفقهاء الشريعة قد تعيق تمريره، لاسيما أن الدستور نص على أن يكون التصويت عليه بثلثي الأعضاء وليس الأغلبية".
وقالت محمود: إن "تمرير قانون المحكمة الاتحادية في أي دورة برلمانية يواجه صعوبة بالغة، لأن الدستور حدد أن المصادقة عليه تحتاج الى ثلثي أعضاء البرلمان، وكل مادة من مواد القانون يجب أن تحصل على تصويت ثلثي الأعضاء كذلك؛ وهو أمر صعب على عكس القوانين الأخرى التي تكون بصورة مطلقة"، مبينة ان "تشريع هذا القانون مهم لأنه الفيصل في حسم كل القضايا سواء في ما بين المؤسسات الدستورية أو بين تلك المؤسسات وأي جهات أخرى". وأضافت عضو اللجنة القانونية، أنه "في الدستور تتكون المحكمة من القضاة أو فقهاء الشريعة والقانون، ولكننا نرى أن هذه المؤسسة هي محكمة لذلك يجب أن يكون للقضاة الدور الرئيس فيها وفي القرارات القضائية التي تصدر عن القضاة"، منوهة بأن "ذلك لا يمنع وجود خبراء الشريعة الاسلامية وفقهاء القانون وهو أمر نحتاج اليه في الوقت نفسه، ولكن يفضل أن يكون دورهم استشاريا لمساعدة القضاة؛ أي أن إصدار القرارات وإدارة المحكمة يكونان بيد القضاة"، وتابعت: "من حيث العدد يجب أن يكون عدد القضاة أكبر من عدد الخبراء أو فقهاء الشريعة"، معربة عن أملها بأن "يكون هناك توافق على القانون لأنه ضروري".
رأي المجمع الفقهي
بدوره، بيّن المتحدث باسم المجمع الفقهي مصطفى البياتي في حديث خاص لـ "الصباح"، إن "المجمع الفقهي مع تشريع قانون المحكمة الاتحادية، ولكننا نعترض على زج فقهاء شرعيين في هذه المحكمة، وندعو الى أن تكون السلطة القضائية مستقلة، والاقتصار في تشكيلها على عضوية كبار القضاة".
وقال البياتي: إن "من أهداف تأسيس المجمع الفقهي العراقي دراسة التشريعات الرسمية وبيان الحكم الشرعي فيها، والمجمع يدرك أهمية المحكمة الاتحادية لمعالجة التنازعات التي تحدث بسبب تفسير النصوص الدستورية ومدى انسجام بعض القوانين مع مواده، لذا فالمجمع لا يعترض على إصدار قانون ينظم عمل هذه المحكمة، بل يحث على إصداره، وإنما اعتراض المجمع على عضوية فقهاء الشريعة فيها".
وأضاف، ان "كثرة الجدل بشأن هذا القانون دفع الهيئة العليا في المجمع الفقهي الى تدارس الموضوع في اجتماع لأعضائها وتوصلوا الى ضرورة عدم زج فقهاء شرعيين في هذه المحكمة؛ لأنّ القضاة عندما يتم اختيارهم على أساس الكفاءة والأمانة والوطنية، يسدون مسد الفقهاء الشرعيين ويجنبون الدولة الوقوع في مأزق الخلاف، ولاسيما أن العراق يضم كثيرا من الطوائف والقوميات".
وتابع: "لعل من أهم مبررات هذا الموقف هو الحفاظ على استقلال السلطة القضائية؛ والمحكمة الاتحادية هي أولى بتلك الاستقلالية، ولأن من أهم مهام هذه المحكمة هو تفسير النصوص الدستورية فالاقتصار على عضوية كبار القضاة يحقق هذه المقاصد".
وأكد البياتي، أن "المجمع الفقهي مع تشريع قانون المحكمة الاتحادية الذي هو تنظيم إجرائي يحقق مصلحة الاستقرار الدستوري من خلال تفسير بعض مواده التي تحتاج الى مزيد من البيان والتوضيح مما يغلق الطريق أمام الاختلاف والتنازع الذي يلقي بآثاره السيئة في الدولة والمجتمع ويؤدي الى الاضطراب السياسي"، مشيرا الى أن "المجمع لا يعترض على تشريع هذا القانون وإنما يعترض على زج فقهاء الشريعة في اختصاص دستوري – قانوني بحت".
وأوضح، المتحدث باسم المجمع الفقهي، ان "تبني المجمع لهذا الموقف يأتي رغبة منه في احترام الشريعة والحفاظ على هيبة القضاء واستقلاليته، والحرص على سيادة العراق وأمنه من الاضطراب والتبعية باسم الدين لاسيما في ظروفنا الآنية".
وبين البياتي، ان "المجمع يتحفظ على عضوية فقهاء الشريعة في المحكمة ولا يعني ذلك عدم الاستئناس بالرأي الشرعي، واذا اقتضت معالجة بعض المسائل المعروضة على المحكمة الاتحادية بيان موقف الشريعة الإسلامية فيمكن الاستئناس برأي فقيهين من كبار فقهاء الشريعة المشهود لهم بسعة العلم والتجرد، أو يمكن استشارة المرجعيات الدينية التي تتمتع بغطاء دستوري وقانوني، كما هو معمول به الآن من قبل محاكم الأحوال الشخصية فإن أي واقعة ليس فيها نص قانوني يُلزم القاضي بأخذ الرأي الشرعي قبل إصدار الحكم فيها؛ فإنها تفاتح بخطاب رسمي المجمع الفقهي العراقي في جامع الأمام الأعظم أبي حنيفة (رحمه الله) إن كان طرفا الدعوى أو صيغة العقد على المذهب الحنفي وتأخذ برأيه الشرعي".
خبراء قانون
الى ذلك، ذكر الخبير القانوني طارق حرب، ان "الدستور عندما نص على أن يكون هناك خبير فقه، أراد ابعاده هذا القانون عن الطابع الديني لذلك يجب التفرقة بين خبير فقه والذي ورد بالدستور والفقيه الإسلامي".
وقال حرب لـ "الصباح": إن "الدستور ينص على أن تتكون المحكمة من قضاة وخبراء فقه إسلامي، وهناك فرق بين فقيه وخبير فقه، حيث أن الفقيه ذكر ومسلم ولديه اجتهاد أما خبير فقه قد تكون امرأة أو مسيحيا". وأضاف، إن "الأمر الثاني بخصوص القانون المذكور، إنهم تركوا للوقفين (السني والشيعي) حرية الاختيار وهو أمر غير صحيح، لأن اختصاص هاتين المؤسستين هو إدارة الإوقاف وتنميتها وليس تحديد الدرجة العلمية، كما إن هناك رأيا بإعطاء الكرد حق النقض بكل مادة تتعلق بالإقليم وهو حق أعطي كذلك للسنة والشيعة في نقض أي شيء يعترضهم".
واستبعد حرب، أن "يتم إصدار قانون المحكمة الاتحادية لأن الدستور نص على موافقة ثلثي الأعضاء وهو أمر صعب".
أما الخبير القانوني محمد الشريف، فأشار إلى أن "القانون يعطي لغير القضاة صلاحية قضائية وهو يخالف المادة (92/ أولاً) من الدستور التي نصت على أن المحكمة هيئة قضائية".
وقال الشريف لـ "الصباح": إنه "بالنسبة لوجود خبراء الشريعة الإسلامية فيجب أن يحصل في تكوين المحكمة -أي ضمن هيكلها الإداري- فليس من المعقول أن يكون الشخص خبيراً وعضواً في المحكمة بالوقت نفسه". وأضاف، إن "عملية ترشيح أعضاء المحكمة يجب أن تتولاها الهيئة العامة للمحكمة الاتحادية العليا كونها هيئة قضائية مستقلة وليس غيرها، لذلك فالحل الأمثل هو جعل المحكمة من هيئة قضائية تتولى حسم الدعاوى في مواجهتها هيئة فنية تضم خبراء وفقهاء من جميع الشرائح يتولون تقديم تقارير تتعلق بالإسلام والديانات الأخرى بالنسبة للدعاوى، وهذه التقارير غير ملزمة"، وتابع: انه "في مشروع القانون العديد من الإشكاليات، والرأي الأفضل هو إعادته للمحكمة لكي تعيد صياغته مرة أخرى".
اللجنة القانونية
من جانبه، أكد نائب رئيس اللجنة القانونية النيابية محمد الغزي لـ "الصباح"، إن "قانون المحكمة الاتحادية سيكون في أولوية القوانين التي يجري الاعداد للتصويت عليها خلال المرحلة المقبلة بعد عدم حصوله على التأييد الكافي من الكتل السياسية خلال طرحه في الدورات السابقة"، مبيناً ان "اللجنة وصلت الى مرحلة إعداد الصيغ النهائية للقانون والتي ستكتمل مطلع الفصل التشريعي المقبل".
وبيّن الغزي، إن "اللجنة وبعد هذه المرحلة ستعرض القانون على التصويت بانتظار تأييد ثلثي أعضاء البرلمان له".
مقرر اللجنة القانونية يحيى المحمدي أشار في حديث لـ "الصباح"، الى أن "مجلس النواب أبدى استعداده لتشريع هذا القانون، كون المحكمة الاتحادية هي جزء من السلطة القضائية ووجودها مهم لتكوين النظام البرلماني العراقي".
وأضاف المحمدي، إن "الدليل على أهمية قانون المحكمة الاتحادية، هو أن الدورتين البرلمانيتين السابقتين لم تنجحا في إقرار هذا القانون، رغم كل المحاولات الجادة لتشريعه، لأن القوى السياسية لم تستطع ذلك لما له من أهمية وتحديات داخل قبة البرلمان"، منوهاً بأن "النظام البرلماني أسس على مبدأ الفصل بين السلطات، لذلك فإن المحكمة الاتحادية هي جزء من السلطة القضائية ويجب أن يكون لها قانون مستقل حسب ما ورد في المادة 92 من الدستور".
وبين مقرر اللجنة القانونية، إن "مشروع قانون المحكمة الاتحادية أرسل من قبل الحكومة ضمن 23 قانونا آخر التي طلب مجلس النواب من السلطة التنفيذية إرسالها اليه ليكون تشريعها ضمن الأولويات، ومثل هذه القوانين تمر ضمن سلسة إجراءات تبدأ منذ وصولها الى هيئة الرئاسة ومن ثم تحول الى اللجان المختصة وقراءتها للمرة الاولى ومن ثم الثانية وأخذ ملاحظات الكتل وإقامة الورش من أجل تنضيج المسودة ومن ثم القراءة الأخيرة قبل التصويت عليها".
وانتقد المحمدي، "استعجال بعض النواب في طرح هواجسهم بشأن هذا القانون والمتعلقة بالجهة التي ترشح قضاة المحكمة، وهل أن هؤلاء القضاة والفقهاء سيخضعون للمحاصصة السياسية أو سيكونون مستقلين"، مؤكداً ان "الدستور نص على أن المحكمة الاتحادية تتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الإسلامي"، وتابع: ان "الكتل الكردستانية كان لها رأي في هذا القانون بشأن هؤلاء الفقهاء وكيفية اختيارهم وكذلك آلية التصويت في المحكمة هل سيكون بالإجماع أو بأغلبية الحاضرين".
أما عضو اللجنة ألماس فاضل، فقد أكدت "استمرار النقاشات في اللجنة بشأن التعديلات التي يجب أن يتضمنها قانون المحكمة الاتحادية".
وأضافت فاضل، بأن "القانون قرئ للمرة الأولى، وستكون قراءته للمرة الثانية في الفصل التشريعي المقبل"، مبينةً "وجود تباين بالآراء السياسية بين الكتل والأطراف المعينة بشأنه، إلا ان القرار الأخير في تشريع هذا القانون سيكون لمجلس النواب".
وألمحت الى "وجود تباين في وجهات النظر في قضية وجود الفقهاء، وهل إن المحكمة الاتحادية هي السلطة العليا أم أن مجلس القضاء الأعلى سيكون له الأولية في ذلك"، مشيرةً الى أن "القانون سيمرر باتفاق الكتل السياسية حال الانتهاء من تعديله".
قضاة ونشطاء
إلى ذلك، عد القاض قاسم العبودي، أن "الجدل" بشأن طبيعة عمل المحكمة الاتحادية جدل "قديم ومهم"، لافتا الى أن العراق بحاجة الى تشريع قانون المحكمة الاتحادية.
وقال العبودي في حديث صحفي: إن "القانون الذي تعمل به المحكمة الاتحادية مصاغ من قبل المحكمة نفسها، وهو يعكس وجهة نظر هذه المحكمة ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر قانونية صرفة أو دستورية تنطبق مع الدستور"، وأضاف، أن "الجدل بشأن طبيعة عمل الحكمة الاتحادية هو جدل قديم ومهم ويشمل دستورية وشرعية هذه المحكمة"، مستدركاً "نحن بحاجة الى تشريع قانون المحكمة الاتحادية لإلغاء هذا الجدل".
أما الناشطة نور القيسي، فأكدت لـ "الصباح"، إن "هناك تخوفا من إقرار هذا القانون، خاصة في ما يتعلق بوجود فقهاء شريعة من ضمن تكوينات المحكمة لا بالدور الاستشاري فقط، بل باتخاذ القرارات".
وقالت القيسي: إن "مشروع قانون المحكمة الاتحادية هو إنذار بالخطر للأقليات، وهو بداية عصر التمييز العنصري بين الطوائف، وهو ترسيخ لمبدأ المحاصصة وإلغاء الحرية التي ضمنها الدستور"، على
حد قولها.