المسيحيون في العراق.. نفحات عبقها يتغلغل في المجتمع

الثانية والثالثة 2019/08/28
...

بغداد / أحمد محمد 

 
منذ قرون طويلة والمجتمع العراقي يتميز بالوان مختلفة تنم عن اطيافه المتعددة والسائد بين هذا التنوع هو التعايش السلمي المشترك بين هذه الطوائف وان كانت قد حدثت مؤخرا بعض المصائب بسبب احتلال داعش ثلث مساحة العراق كان ضحيتها بعض الاقليات منها المسيحيون والصابئة المندائيون،  وهذا ما نتجت عنه هجرة هي الاولى من نوعها للمسيحيين وان كان اغلبهم مكرها بسبب سياسات التنظيم المتطرف، ومع ذلك فمازالت المدن التي اشتهرت بالتنوع الديني والمذهبي تصدح باصوات اجراس الكنائس لتعلن أن هناك من لا يزال متمسكا بالارض التي احتضنت سلالته لالاف السنين.
ويقول الامين العام للتجمع الوطني المسيحي الموحد القس باردليان يوسف عزيز في تصريح خاص لـ"الصباح":" ان المخاوف لدى المسيحيين وغيرهم من الطوائف والاديان حقيقية ومبررة نظرا لحجم الهجمة الشرسة التي تعرض لها المسيحيون وباقي الاقليات من تهجير وتقتيل وسبي، خصوصا ان تاريخ المنطقة الذي يمتد الى قرابة القرن من الزمان شهد ذات الفواجع والالام والقتل التي لم تقل وحشية عما نشهده في هذه المرحلة، كما في الابادة التي  تعرض لها الايزيديون والارمن نهايات الحكم العثماني،  وحرق مئات القرى المسيحية في الشام من قبل المتشددين  ايام حكم ابراهيم محمد علي باشا، وتهجير اليهود من العراق وباقي الدول العربية، مع المئات من الحوادث والضغوط التي يزدحم بها المخيال الشعبي للاقليات في بلدان الشرق الأوسط".
مؤكدا:" وللابقاء على المسيحيين في العراق على الدولة توفير غطاء يحمينا من بعض المتطرفين فضلا عن اشراكنا بشكل فعلي بالعملية السياسية والتنظيم الحكومي وكل مايتعلق بالمرافق الاجتماعية فاليوم وبكل صراحة نوجه من خلالكم رسالة يجب التمعن بها من قبل المسؤولين بان الاقليات يمنع توظيفهم في الداخلية ووزارة الدفاع وغيرها اضافة الى استهداف بعضهم اجتماعيا، ولذلك نحن الان بحاجة الى وجود رؤية محلية تتعاضد مع رؤية اقليمية و دولية باتجاه توفير المضلات الاجتماعية الحمائية للاقليات الدينية والقومية والمذهبية".
ويضيف عزيز خلال حديثه لـ"الصباح":" وعلى الرغم من كل ماتطرقنا له سابقا الا ان حبنا للعراق لن ينطوي حول تداعيات عرقية او طائفية فانا شخصيا لن أغادر العراق الا بكفن يشهد على اواصر التعلق بهذا البلد الذي ننتمي اليه منذ آلاف السنين".
 
ابادة وتهجير 
ومع كل ماتناقلته وسائل الاعلام حول الصورة القاتمة لمستقبل المسيحيين في العراق والتي بددها هنريك هنري ليونارد موضحا خلال حديثه لـ"الصباح":" بان المسيحيين يعيشون في العراق افضل من باقي الدول الاخرى ولا يوجد ما يسمى اضطهادا او تصفية بسبب المعتقد الديني والا لما وجدت المسيحي في كربلاء المقدسة والنجف الاشرف والبصرة والديوانية والقائمة تطول لتواجد المسيحيين في مختلف المحافظات".موضحا:" بأن عمليات التهجير والسلب والقتل طالت المجتمع بمختلف طوائفه بسبب الهجمة الشرسة على العراق من قبل عصابات داعش الارهابية ولم يكن الامر يتعلق بالاقليات كما ينوه البعض، فالعمليات الارهابية طالت مختلف الطوائف والقوميات". منوها:" نعيش حياة سلمية ملؤها التفاؤل والمحبة ولافرق بين مسلم ومسيحي فكلنا نعيش تحت سقف واحد اسمه محبة العراق".
فيما اشارت سوزان ادور الى ان:"  الوضع المتعلق بالاقليات لا ينطوي على العراق فقط، فبلدان الشرق الاوسط مازالت تشهد عدم استقرار واحتمال تفاقم الاوضاع وانزلاقها نحو الاسوأ، خاصة ان حضور المجتمع الدولي بخصوص ما تلقته الاقليات من ابادة وتهجير غير فاعل وخجول لا يتعدى في بعض الاحيان  مظاهرة هنا ومظاهرة مع بعض الاستنكار من هذه الجهة او تلك، وهذا ما يثير مخاوف الكثير منا".ويقول الناشط الحقوقي الدكتور صلاح بوشي في تصريح خاص لـ "الصباح":" تختلف الرؤية الواقعية لواقع المسيحيين في العراق عن الرؤية النظرية التي تتبنى وفق مخططات تعبوية للبت بمصير الاقليات بعيدا عن الحلول التي ستسهم وبشكل فعال في ابقاء المسيحيين في العراق وان خف تواجدهم فيه وهذا الامر طبيعي في ظل المعاناة التي مر بها العراق وبمختلف اطيافه وقومياته ".ويؤكد بوشي خلال حديثه لـ "الصباح": "بان ما يتناقل عبر المنصات باندثار المسيحيين وتعرضهم الى الابادة فضلا عن انهاء وجودهم في العراق ما هو الا وسيلة ضغط لاشاعة التفرقة بيننا وبين هذه المكونات التي شهدت مختلف الازمان على مدى التقارب والانسجام الذي يتمتع به المجتمع العراقي وبمختلف قومياته وطوائفه".
 
عمق تأريخي 
ويشير الامين العام للتجمع الوطني المسيحي الموحد القس باردليان يوسف عزيز في نهاية حديثه لـ "الصباح":" الى ان عمق جذور المسيحيين في ارض ما بين النهرين قديم قدم هذه الارض، ولقد كان لهم النصيب الأوفى في بناء هذا البلد واغناء حضارته الانسانية، فضلاً عن التضحيات الجسام وكم الظلم والحيف الذي نالهم مع باقي إخوانهم،ولعل الطابع المدني الذي طبع حياة المسيحيين، وحبهم للعفو والتسامح، والايثار عزز من حضورهم في الساحة الاجتماعية العراقية، التي عكست كل ذلك بمزيج من المحبة والاحترام من جانب كل الأطياف والأعراق، ولذلك فان اشاعة تهجير المسيحيين وابعادهم عن العراق ما هي الا لتفكيك البناء الاجتماعي الذي يمثله المسيحيون".ويوضح استاذ علم الاجتماع الدكتور محمد عبد الحسن ان:" واحدة من الابجديات المسلم بها ان الحروب والنزاعات المسلحة يكون اثرها اشد وطأة على الفئات والجماعات الهشة و المسالمة، واذا كانت الحروب التقليدية تخلق حالة من التوحد والتضامن فيما بين ابناء المجتمع لمواجهة الخطر والتصدي له، فان الحروب الداخلية تكون كارثية ومدمرة لانها بكل بساطة تدمر النسيج المجتمعي والوطني، ويصبح فيه الناس منقسمين الى معي وضدي، واذا كانت الحروب التقليدية تحكمها بعض الضوابط والاحكام والاعراف والاتفاقيات، فان الحروب المبنية على أسس مذهبية وعرقية وطائفية، تكون منفلتة من اي ضوابط لانها تهدف الى اقصاء الاخر ونفيه واستئصاله، لذا فان مخاوف المسيحيين مبررة في ظل ما ذكرت انفا وما علينا الا تطمينهم من خلال الدفاع عن وجودهم واحقيتهم كمواطنين ينتمون الى العراق من دون الالتفات الى الطائفة".
 
التعايش السلمي 
ووفق تعداد وزارة التخطيط عام 2018 فأن لا إحصائية واضحة لخارطة التنوع العراقية، لكن عدد سكان العراق بالمجمل تجاوز 38 مليوناً، الغالبية العظمى من السكان مسلمون، بين سنّة وشيعة، ووفق القومية، تندرج الغالبية بين العرب والكرد. أما البقية، فيتوزعون بين المسيحيين، والشبك، والأيزيديين، والصابئة المندائيين، والزرادشتيين، والبهائيين، وقبائل القوقاز العراقية (الشركس والشيشان والداغستان)، والفيليين، والعراقيين من أصول أفريقية، وأما اليهود فلم يبق منهم داخل العراق سوى قلّة، ومعظمهم لا يفصحون عن ديانتهم وتقول الناشطة في مجال حقوق الانسان مي الشمري في تصريح خاص لـ "الصباح": "يجب التوعية بأهمية الاحترام المتبادل بين الاديان والمعتقدات الروحانية والثقافية على اختلافها حيث يحتفى سنويا في الواحد من ايار باليوم العالمي للتنوع الثقافي كونه الطريق الافضل لتحقيق السلام والحد من الصراعات القائمة على الانتماء الديني".
مشيرة: " عانى العراقيون وبمختلف مكوناتهم من الصراعات الدينية والسياسية كان اخرها تنظيم داعش الارهابي الذي مثل نكبة للاقليات في العراق على وجه الخصوص لذا لا يمكن استبعاد المسيحيين من العراق ونحن كمنظمات تعنى بحقوق الانسان لانقبل بأي غبن يقع على مسيحي العراق خاصة وان المدن العراقية الكبرى تشهد على التعايش السلمي بين ابنائها وبمختلف اديانهم ومذاهبهم وقومياتهم".