مفاهيم الشرف

الصفحة الاخيرة 2019/09/06
...

حسن العاني 
 
أعتقد جازماً أنّ المتداول والشائع والمتعارف عليه في حياتنا اليوميّة، هو الأكثر صعوبة في التعريف والإدراك، من ذلك على سبيل المثال لا الحصر، مفهوم (الشرف)، بدليل أنّنا نقول: شرف الوطن او العلم او العسكريّة كما نقول شرف البيت او الرجل او الاسرة، وما زلت أجد صعوبة في الربط بين (شرف البنت) وبين (شرف المهنة)، ويلاحظ بأنّ هذا التنوع والتعدد في معاني الشرف واستعمالاته، يجعلنا نجهل ما هو المقصود بهذه المفردة، هل هي العفة.. النزاهة.. الصدق.. السمعة الطيبة.. أم ماذا؟
أعتقد جازماً للمرة الثانية أنّ مفهوم الشرف ليس واحداً لأنّه قضية اعتبارية ترتبط بثقافة كلّ شعب ونوع حضارته وتراثه وطبيعة تربيته، فالبلدان العربية – والعراق في مقدمتها- اختزلت الشرف بمعنى (العرض- بكسر العين)، ولهذا قد يكذب الواحد منها وهو يقسم بأي من مقدّساته، ولكنّه يكون في غاية الصدق اذا اقسم بشرفه، ويريد بذلك "أمه وابنته وأخته وزوجه"، لأنّهن لم يرتكبن فاحشة العلاقة الجنسيّة ولم يتحدث أحد عنهن بسوء!!
معايير الشرف في معظم بلدان اوروبا لا علاقة لها بالعرض وبمغامرات المرأة وسلوكها وعلاقاتها وسهراتها خارج المنزل، ولا بعدد عشّاقها والليالي التي تمضيها في حضن زوجها او عشيقها لأنّ هذه التصرّفات ذات طابع شخصي يتعلّق بالحريات الفردية ولا يضرُّ المجتمع، اما الشرف عندها فيتمثل في حجم احترام المواطن للقانون والالتزام به، ومدى انضباطه وجديته في العمل، ومن هنا قد تحتسي الشابة رطلاً من (عرق هبهب) ومع ذلك تبقى شريفة في نظر المجتمع والقانون طالما كان ذلك في بيتها او مجالسها الخاصة، ولكن شرفها يثلم اذا ما تمّ ضبطها تقود مركبتها بعد أن احتست "استكان بيره" فهي والحالة هذه تنتهك حرية الآخرين وتعرض حياتهم الى الخطر، وكثيرة هي التصرفات والمواقف التي تسقط الشرف عند الاوروبي، من ذلك اذا كذب او ارتشى او استغل منصبه او اخفى معلومة تخدم الصالح العام او تحايل على الضرائب او مارس الغش الصناعي او اقام علاقة مع قاصر او امرأة بالقوة او تجسس على بلده.. الخ، وقد توهمنا نحن الشرقيين بأنّ الشعب الاميركي غضب من رئيسه، الرفيق (بل كلنتون)، بعد فضيحته الاخلاقية مع الرفيقة (مونيكا)، ولكن الحقيقة هي غير ذلك، فلو جرى ما جرى بين كلنتون ومونيكا في اي مكان خاص خارج البيت الابيض لكان الامر اكثر من طبيعي.. الناس غضبت لأنّ رئيسها هدر ساعة من وقته المخصص لخدمتهم وهو في اثناء الدوام.. تلك هي معايير الشرف عندهم، أما عند معظم البلدان النامية والفقيرة كما كتب احدهم ذات مرة، فإنّ الشرف يكمن بين فخذي امرأة، ولهذا وصلوا الى القمر ونزلنا الى القاع، واضاف هذا الكاتب العربي (غشاء البكارة في مجتمعاتنا هو الحد الفاصل بين الشرف وبين عدمه)، ولا بدّ لهذا السبب تحديداً، أعني طريقة فهم الشرف والتعامل معه، فإنّ المئات من الارهابيين وسُرّاق المال العام وبائعي الضمائر والمزوّرين، يقال عنهم (مجرمون) ولكنّهم ما زالوا يحتفظون بوثائق الشرف، ما دام شرفهم محفوظاً بين أفخاذ النساء!.