عام 1993 كتب أحد الصحفيين العراقيين القريبين من صدام مدافعاً عن حماقة غزو الكويت، متوعداً بإعادة الاحتلال بعدما “تتغير المعادلة الدولية الإقليمية التي قد تؤدي الى تقديم الكويت الى العراق على طبق من ذهب”. لم يكن ذلك رأي كاتب فحسب بل هو وعي راسخ لدى الكثير ممن تأثروا بعمليات غسيل الادمغة التي مارسها النظام السابق، والتي يرددها الكثير من معارضي النظام السابق فضلا عن المؤيدين
له.
ردة الفعل من بعض الكويتيين حاليا واعتمادهم عبارات التطاول والاستخفاف بالعراق حيال شكوى العراق لدى مجلس الامن الدولي بشأن تجاوزات حدودية كويتية، تحرك شهيّة الكثيرين لاستنهاض مقولات النظام السابق وماكنته الإعلامية، والحديث عن “لا جدوى” التعامل الجديد مع الكويت الذي بدا بسقوط النظام السابق، وهو ما يستنهض بالمقابل مخاوف الكويتيين ويعطي للمتشددين منهم فرصة الترويج بان زوال نظام صدام لم يزل الخطر العراقي عن الكويت.
الكويتيون أخطؤوا عندما تصوروا أن فرض قرار أممي يكفي بحد ذاته لحل النزاع الحدودي، خصوصاً بعدما بادروا الى كسب سكوت عدد من المسؤولين العراقيين، بعد 2003 كلّ بأسلوب معين، واتخاذ ذلك السكوت غطاءً لتغييرات في الحدود تضر بالعراق.
لم يفكروا بان من يسكت اليوم لسبب ما سيتغير ويحل محلّه من لا يقبل بما جرى.
في نفس هذه الزاوية كتبت قبل أسابيع قليلة بأن الطريقة التي تمت بها عملية رسم الحدود لم تحلّ المشكلة، فالركون الى ترسيم اجباري للحدود وفق القرار 687 في ظل غياب العراق وضعفه، جعل من هذه المشكلة فتيلاً مؤجلاً قد يستخدمه مشعلو الحروب الإقليمية الذين تتناغم معهم أوساط محلية بشعارات حمقاء دون اعتبار لما خلفته تلك الحماقات
سابقاً.
هكذا هي مشاكل الحدود في منطقتنا. رسموا الحدود بطرق اعتباطية وجعلوا فيها قنابل جاهزة للتفجير حين الحاجة. جعلوا منطق القوة هو الذي يحسم وليس منطق العدالة والحق و
التعايش.
القرارات الدولية بترسيم الحدود هي في الغالب أدوات زارعي الألغام وبالتالي لن تحل المشكلة بل تؤجلها. العقلاء يجب أن يركنوا الى التراضي وجعل الحدود بين الدول خطوط سلام وتعاون وليس توتر ونزاعات لا يخرج منها منتصراً سوى من يشعلها من خارج المنطقة.