سُوسيولوجيا السِّياسة الفساد بوصفه مؤسَّسةً سياسيَّةً

ثقافة 2019/09/13
...

 د. محمَّد حسين الرفاعي
 
[I] 
ما هي تلك القوانين التي تستند إلى بِنيَة الثقافة، لحماية الفساد؟ إنَّ التساؤل هذا إنَّما هو تساؤل بِنيَة السياسة، ومفهوم السلطة، والمشروعية التي من شأن السلطة. يُتساءلُ عن مفهوم السلطة، ومفهوم مشروعيَّة السلطة، بوصفهما مفاهيم مأخوذة ضمن الفعاليَّة السياسية، قَبلَ أن تكون مفاهيم إجرائية. فإنْ أُخذَ الفساد، كمؤسسة سياسية، معنى ذلك أن التَّساؤل عنه ينطلق، بعد أن كان قد اِنطلق من بِنيَة الثقافة، من بِنيَة السياسة، بَعْدِيَّاً. ضمن بينة السياسة نتساءل: كيف يُمكن أن نتطلق بـ[التَّساؤل- التَّفكير- الفهم] بالفساد، من جهة مفهوم السلطة، ومن جهة، ومفهوم مشروعيَّة السلطة، من جهةٍ أخرى؟ 
[II]
عن بِنيَة السياسة تنتج فعاليَّات سياسية مختلفة تستمد معناها، ودلالتها، وهدفها، ومشروعية وجودها، [في- كُلِّ- مَرَّةٍ]، من [وحدة- العلاقات] بين البِنى المجتمعيَّة الأساسيَّة الثلاث. فإذن، إنَّنا في التَّساؤل هذا نكون أمام اللوحة الفكريَّة الأوليَّة الآتية: [[المجتمعيّ] - المؤسسة السياسية- بِنيَة السياسة - الفعاليَّة السياسية - الفعل السياسي - الفساد]. فالفساد، أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ، متى أخذ ضمن بِنيَة السياسة المجتمعيَّة، هو ينتمي إلى جذر مجتمعي يُحدد بالاِنطلاق من حقول مجتمعيَّة ثلاثة، على أقل تقدير. 
 [III]
I- الحقل السياسي الأول لتحديد الفساد يتمثَّل بحقل السلطة، والمشروعية لممارستها. ضمن هذا الحقل ينطلق تساؤل التحديد من مفاهيم أساسيَّة هي، على أقل تقدير، تشتمل على حقول الفهم الآتية:
I-I- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم الحزب السياسي أي [المجتمعيِّ- السياسي]. والتساؤل عن معنى اجتماع الفاعلين السياسيِّين فيها ودوافعهم وماهية روابطهم، وتشكلاتهم المجتمعيَّة، ومعنى [المجتمعيّ- السياسي: الحزب] بوصفه كُلاً آيديولوجيَّاً قائماً على رؤية كُلِّيَّة للمجتمع والإنسان. 
I-II- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم مصدر المشروعيَّة، وتحديد المصدر هذا، اِنطلاقاً من سوسيولوجيا القوة- السلطة.
I-III- [حقل- الفهم] الخاصّ بمفهوم المرجع السياسي (كان دينيَّاً أو مجتمعيَّاً: شيخ عشيرة، قبيلة، شخصية كاريزماتية). وحقل الصراع السياسي ضمن هذا الحقل، بين المواقع السياسية المختلفة للمراجع المختلفين في ما بينهم. 
ولكن من أين يستمد الفساد مشروعيَّته، ضمن بينة السياسة؟ 
 [IV]
II- الحقل السياسي الثَّاني لتحديد الفساد، من جهة بِنيَة السياسة، يتمثَّل بجملة العلاقات بين الشخصيات المجتمعيَّة التقليدية (عشيرة، قبيلة، عائلة، جماعة، مفهوم الذكورة، مفهوم الفحولة، ...إلخ)، وبين الفاعلين السياسيِّين، التي لا تنفك تحضر في كل تفاصيل الوجود السياسي الذي من شأن السلطة، والممارسة التي لها، ووحدة العلاقات السياسية، تاريخيَّاً، المنتمية إلى صيرورة تشكُّل [المجتمعيِّ- السياسيِّ- في- كل- مرة]، فيما يكون الحزب السياسي أحدَ تجسداته.
[V]
III- الحقل السياسي الثَّالث لتحديد الفساد يتمثَّل بوحدة [المعرفة- والسلطة]، وما ينتج عن هذي الوحدة المجتمعيَّة من أشكال، وتجسُّدات، وجماعات فعل سياسي مختلفة ومتعددة ومتنوعة. يقوم ضمن هذا الحقل التَّساؤل بوصفه متفحِّصاً لماهية مشروعيَّة السلطة وخصوصيتها وكيفيَّة ممارستها ومصادرها. 
[VI]
لا قيمة لبحث أو مقالة أو دراسة لا توفر للقارئ والباحث والإنسان بعامَّةٍ، جملة وسائل التَّساؤل وطرق التَّفكير وأدوات بناءِ الفهم، بالموضوع موضِعَ التَّساؤل، والتفكير والفهم. إنَّ بحثاً أو مقالةً أو دراسةً لا توفر ذلك، تُصبِح هي واللا- شيء نفسَ الشيء. إنَّ ماهيَّة السياسي إنَّما هي ممارسة السلطة. وإنْ شَرَعَ السياسيُّ بالحديث عن الدولة ومشروع الدولة، فإنه يَستخدم ذلك كأداة للوصول، أي لبلوغ ممارسة السلطة بوصفها الفعل الأكثر جذريَّةً لـ[السياسي]، من جهة كونه ليس بعد آتياً إلى مستوى البناء. إنَّ البناء، وبالضبط لأنه كذلك، يتطلَّب تجاوز السياسي أوَّلاً وفوقَ كُلِّ شيءٍ. ماذا يعني ذلك؟ إنَّه تساؤل بِنيَة الاقتصاد.