د. علي الشلاه
أفرزت السنوات العجاف الأخيرة ثقافة طائفية سوداء كانت عصابات داعش الإرهابية أسوأ تمظهر لها، حيث كانت رؤيتها المتطرفة وسيطرتها الدموية وحضورها الشعبي المتفاعل في وسائل التواصل الاجتماعي ناهيك عن جوامع الفتنة وخطباء الضغينة لدى الطرفين الذين حولوا الإسلام إلى مسلخ يتسع ليغطي مدناً وربما اوطاناً بكاملها.
ودارت رحى الحرب لقتل شركاء الوطن بدل قتال الاعداء المحتلين لفلسطين وصار الحديث عن أعداء أخطر من الصهاينة تنبغي ابادتهم وتخليص الأوطان منهم.
لقد قلب العرب كعادتهم تقنيات الاتصال والتواصل الاجتماعي المعاصرة لتتحول إلى دملة ممتلئة القيح سرعان ما انفجرت لتحرق الأخضر واليابس. وظهر أسوأ ما في التاريخ المؤلم من جراحات مؤسفة ، لكن الأخطر في المعادلة ان الأصوات المعتدلة والعقلانية قد خفتت خوفاً من القتل او الاتهام بالخيانة وكأن العقلاء والمثقفين كانوا ينتظرون المتعصبين لينهوا معركتهم ويتحدثوا هم بعد ذلك عندما يتعب المتحاربون ويركنون إلى الدعة بين شوطين دمويين.
من هنا جاءت أهمية الخطوة الشجاعة للشيخ صباح الأحمد الصباح امير دولة الكويت بزيارة مأتم الإمام الحسين(ع) في ليالي عاشوراء هذا العام ليواسي المسلمين الشيعة في مأساتهم الأكبر في التاريخ وهي شهادة امامهم الحسين السبط ( ع ) وكان بكاؤه الصادق معهم مواساة كبرى أعادت للاذهان دموعه ومقولته عن شهداء تفجير حسينية الإمام الصادق ( ذولة عيالي ) .
ان الجراح التي سالت طوال السنوات الأخيرة بحاجة اليوم إلى جسور تسامح بين الاخوة يمدها الشجعان من أصحاب الفكر والقرار ممن يدركون أن المستقبل يبنيه دعاة التسامح وقبول الآخر ، وان التعبير عن العقائد العظيمة يكون اكثر شجاعة وهو يحترم الفكر المختلف خصوصاً في ساعات المحنة والفتنة والجراحات الغائرة.
ومن هنا فإن الحكومات العربية والإسلامية بسياسييها ومفكريها بحاجة إلى قراءة الدرس الكويتي جيداً والاستفادة منه الان ، لأنهم سيصلونه عاجلا أم آجلا وربما بعد خسائر جسيمة ودماء عزيزة، فالاجدى ان يؤسسوا على خطوة امير الكويت الشجاعة ويمدوا ايديهم إلى شعوبهم، اياً كان دينها ومذهبها.