واقعنا الصحي يفتك بنا

العراق 2019/09/14
...

سالم مشكور
 
كثيرون تابعوا حديث الفنان ناهي مهدي المفجوع بفقدان زوجته عمّا شاهده من إهمال و"فقدان ضمير" في المستشفى أثناء مرافقته لزوجته. لم يذع سرّاً ولم يكشف مستوراً، فالواقع الطبي في العراق تعجز عن وصفه المفردات المتداولة. يختصر ناهي توصيفه بتوجيه نداء لكل العراقيين بألا يدخلوا اسرهم الى مستشفى عراقي "لانهم سيموتون بدل الشفاء". يكفي أن تزور مستشفى واحداً لترى حجم المأساة التي تحتاج الى اعلان حالة طوارئ صحية. مدينة الطب صاحبة الشهرة بالخدمات سابقاً باتت مشهورة بسوء الخدمات والاوساخ والفساد. بأم عيني شاهدت ذوي المرضى يبيتون عند باب غرفة الإنعاش في أحد مستشفياتها لتلبية حاجات ذويهم المرضى من الدواء أو الغذاء أو حتى التنظيف الشخصي، بينما يبدي مدير عام المدينة استغرابه!! من هذا الوضع قائلاً: ان الادوية والمستلزمات الطبية موجودة في المستشفى. 
الوضع المأساوي في المستشفيات وراءه أسباب عدة تبدأ بالإهمال الرسمي وتنتهي بغياب الضمير لدى الكثير من العاملين فيها بمختلف مستوياتهم، مرورا بالروتين الإداري المعرقل والفساد والضعف الإداري وغياب المحاسبة، وسوء خلق كثير من العاملين، سواء كان مع المريض او ذويه. ما معنى أن يُطلب من ذوي المرضى جلب دواء أو لوازم طبية لمرضهم، بينما هي موجودة في مخازن المستشفى، أو أن الوزارة استوردتها لكنها لم تدخل المخازن أساساً؟ ما معنى أن يتخلف الكادر الطبي عن إعطاء جرعات الدواء للمريض بأوقاتها لأسباب تافهة. قال لي الممرّض مرة إنه سيعطي الوالدة الراقدة في القسم الخاص جرعتها من الدواء بعد أن ينتهي من مشاهدة المسلسل التركي. الممرضة رفضت الاتصال بالمختبر لجلب نتيجة التحاليل قائلة: "مو شغلنا"، وعندما تشتكي للمدير يقول: "شسوي منكدر نحجي وياهم لأن كل واحد وراه حزب أو عشيرة". لكن بين هؤلاء من يشذّ عن القاعدة ويتعامل بخلق عالٍ وضمير حيٍّ.
مأساة الواقع الصحي في العراق لا تقتصر على المستشفيات، بل تمتد الى الجسم الطبي الخاص أيضاً، فكثير من الأطباء يتعامل بـ"لا إنسانية عالية!!!" مع المرضى من خلال الابتزاز وتحميل المريض أعباء إجراءات غير ضرورية وبأسعار عالية عبر اتفاقات مع مختبرات أو مراكز التصوير الشعاعي والصيدليات دون أن يردعهم أحد، ناهيك عن واقع الادوية المزورة التي تملأ الصيدليات وتفتك بالمرضى دون اي رقابة.
 إعلان حالة طوارئ صحية هو أقل ما يجب عمله لإنقاذ حياة الناس.