لعلّ الضائقة المالية الحادة التي تمرّ بها معظم الصحف العراقية اليوم، هي انعكاس طبيعي لضائقة مالية أشدّ حدةً، تمرّ بها الدولة بخزينتها وشتى مؤسساتها ووزاراتها، الى الحدِّ الذي تأثرت فيه حتى الخدمات الصحيّة التي يفترض ان تكون بمنأى عن أي تقلبات اقتصادية او مالية او أي ظرف صعب تتعرّض له البلاد...
على أيّة حال، كان من نتائج هذه الضائقة، ان نسبة كبيرة من الصحف أغلقت أبوابها، ونسبة أكبر عالجت هذه المشكلة بثلاث وسائل (تقليص ملاكها الى اكثر من النصف، التوقف عن صرف أية مكافآت او أجور للكتاب الخارجيين، والاتفاق المخجل معهم على ان يكون النشر مجانياً، تم تخفيض عدد صفحات المطبوع الى أبعد حدٍّ ممكن)، ولكي تتفادى هذا النقص في عدد منتسبيها وكتابها الخارجيين، عمدت الى الانترنت تأخذ منه ما تشاء، والنتيجة المتوقعة هي غياب التحقيق الميداني والاجتماعي والتفرّد بالمعلومة والزوايا والمقالات والمقابلات لصالح مواد الانترنت الجاهزة، في عملية "حشو" عشوائي غير مسبوقة!
أعداد كبيرة من الزملاء التحقت بقائمة العاطلين عن العمل وركنتْ اقلامها جانباً وانا ادري بأن الصديق (النقيب) اللامي ونقابته والزملاء الاصدقاء والاعضاء غير قادرين على حل هذه المعضلة، ولذلك لم تبقَ سوى الحكومة التي تنوي كما يقال اعادة (المنحة) القديمة، ولكن مبلغها الشهري هو (80) الف دينار، أي نصف ما تتقاضاه اليتيمة او الارملة او المطلقة من الرعاية الاجتماعية، لهذا أقول والحزن يفطر قلبي، ولأسباب معنوية واعتبارية، بأن منحة أهل الصحافة والاعلام والادب والفن فضيحة تاريخية واهانة قاسية لرموز الابداع في البلد!!
وأنا أحاور وأجادل بلا طائل في محنة الصحافيين ومنحتهم (اذا تمت الموافقة عليها)، اقترحتْ إحدى الزميلات النابهات ان أُطالب بجعل المنحة مليون دينار شهريّاً، وقد سررتُ لسعة خيالها السريالي وسألتها عن السبب الذي يجعل الحكومة تصرف مثل هذا المبلغ الشهري الذي لا يمكن أن يصرفه العاشق الولهان لحبيبته، وكان جوابها جاهزاً (لكي يتوقف الصحافيون عن نقد الحكومة وملاحقة أخطائها)، وقد فات الزميلة العزيزة بأنّ الحكومة تفضّل مليار مرة أن ينقدها الصحفيون، ويكشفوا أخطاءها، ويكتبوا ما يعجبهم بالقلم العريض لانّها عوّدتْ نفسها على ان لا تقرأ ولا تسمع ما يصدر عن وسائل الاعلام!
إذن ما الحل؟ وأنا أفكر قلقاً بهذه المأساة، توصلت الى ان السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق هو: أن يتوقف زملاء المهنة عن ملاحقة (المسؤولين الفاسدين) لأنّها غير مجدية، وان يكرّسوا اقلامهم لتغطية مناسباتهم كالزواج او عيد الميلاد او نجاح صفقة.. ووضع تسعيرة مجزية لهذه المدائح الجديدة، تعيد للصحافي اعتباره ومنزلته المادية وكرامته!!.