الأحلام والإرادة

العراق 2019/09/17
...

حميد السوداني
 
   يمكن القول هناك تقارب واسع بين المصالحة الوطنية والمنهج السياسي الوطني الذي يتخذهُ الجميع طريقاً واحداً لاعتبارات متعددة حول أهمية المصالحة وكذلك اهمية النهج الوطني في السياسة الجديدة التي تعتمد على إتاحة روح اليقين والظن الايجابي في الحوارات والبدايات التي لم تسلم من مظاهر الاختلاف والابتعاد عن الهدف الذي عليه أن يتحقق الأن أو بعد زمنٍ ليس ببعيد.
واذا كانت المصالحة في تحقيقها واقعي  تعتبر ولادة المواطن الجديد في الوطن فهي إذن الجرس أو الناقوس الذي يدعو الناس للانصراف الى مصالحهم وشؤونهم اليومية بأوسع معاني الشرف والحيوية، وهو تبادل الوطنية بالثقافة، وتكون شاشة للدول والشعوب الأخرى لكي تتحول الى صورة جماعية شكلها التكاتف ومضمونها قوة الارادة الوطنية التي طالما يحلم بها من يفقد الأحلام في يومٍ 
ما.
ويمكن القول إن نجاح المصالحة تعتبر لوحة ثرية من الاعتبارات التي تتجاوز الرقابة والملل وقتل الوقت دون أي شعور بقيمة هذهِ الأعتبارات سواء موضوعية أو سيكولوجية، فإنها تدخل في تصويب الأخطاء والخضوع الى التنظيم من دون زمن مهدور ونشاطات غير مدروسة، وهذا الانطباع ليس غريباً ولا خافياً على احد لأنه خاضع للضبط والسيطرة والمكاشفة من دون تكرار الحديث عن الأزمات الماضية وما تبعها من هدر المال والوقت والدم.
إن ربط المصالحة بالخير هو وعي بشري لا ينطفئ، لأنه إنساني ولا يدخل في صمود الفكرة أو ضياعها، كما انها تحول في التجربة، مسار تكوين العلاقة الأنسانية في الوطن باكتمال درجات نجاحها، وهي أيضاً وثيقة الصلة بالإصلاح الثقافي والسياسي والمجتمعي، وهي نور ونضج وتاريخ طويل من التأملات الطيبة على صعيد التربة الدينية والسياسية والعلمية.
ولهذا فإن المصالحة لها حُرمة، لأن الأفراط في البحث عن جذورها واشباعها بالماء حتى تنبت وتنمو وتتسلق الخلافات وتنصهر بالتالي بروح المصالحة العليا للوطن دفاعاً عنهُ من النائبات، لذا لا احد يغفر الأخطاء ولا أحد يقبل المعصية والظلم والقهر والقول المأثور ( للظالم من الرجال ثلاث علامات: يظلم من فوقهِ بالمعصية ومن دونهِ بالغلبة ويظاهر القوم
 الظلمة ).
ويمثل هذا التحديد (العدل) في السياسة، وهو نقد بناء مازال يأتي من الواقع ويخرج منه، ومن خلال الواجب لا بد أن تنتبه كل الأطراف  من جعل ( التاريخ) حيوياً لهم وذلك بواقعية الإيمان بالحوار والاضافة والحذف والتعديل والحق والحق المضاف ويكون ذلك على صعيد المجموع والذات (فالسياسي فاعل حقيقي للتغيير وفاعل اجتماعي) وهو مرتبط بتأريخهُ وليس بتاريخ الشعب الذي ينتظر وينتظر للوصول الى العدالة الاجتماعية والمجتمع الأمثل والأفضل دون تأثير خارجي أو إحساس بالضعف
 والهزيمة.
إن المصالحة تنتهي لنشوء المدينة المثالية والوطن الفاضل، ونحن وعندما نؤمن بالعقل والعدل لا بدَّ أن ترى أعيننا تلك الدول التي تعيش شعوبها بمثالية حضارية نتمنى أن نصل الى أجنحتها لتطير بنا مثل بساط ريحنا الى الخير الوفير والصناعة المتقدمة والتكنولوجيا المذهلة والتنظيم الأداري والفني والأبداعي وكذلك الأصلاح السياسي الذي يستولي على ضمائر الجميع بما فيهم المعارضين.
    إن الحث على المصالحة هو الحضّ على العدل في كل مجال، إن بناء المدن والمجتمعات هو أساس الرقي الانساني والوعاء الحقيقي لثمرة التصالح، وذلك بالعمل والتطبيق العملي لإسعاد الناس أولاً، وهو أحد مشاريع الإصلاح في جوانب كثيرة، إن هدير الماكنات هو الإنتاج المتكامل، وان حركة المناجل الجماعية هو الحصاد الكبير، وإن نشيد يخرج من حناجر الملايين هو قوة للوطن والأمة، نعم لا نريد ما قاله الشاعر “ كل شجرة بخضرتها مستبشرة، الا شجرة عائلتي، الريح تذرًّ أوراقها في المنافي، فيما الجذور في 
المقبرة”.