توازن ما بعد الأزمة!

الصفحة الاخيرة 2019/09/30
...

 جواد علي كسّار
 
تنطلق هذه الورقة من اقتباس مفهوم متداول في علم الاجتماع السياسي والإدارة الحديثة، عنوانه: استعادة التوازن بعد الأزمة.
معنى ذلك ضمناً أننا نؤمن بأن الأزمة التي يمرّ بها العراق اليوم، هي أزمة مزدوجة، موزّعة بين أزمة الدولة وأزمة المجتمع، وذلك على عكس ما توهم به حزمة كثيفة من وسائل الإعلام في الداخل والخارج، من أن أزمة البلد هي أزمة في الحكم والدولة وحسب، أو ما تجنح إليه في المقابل، قراءات تشاؤمية مغرقة في السوداوية والسطحية والشعارية، من أن الأزمة العراقية، هي أزمة الإنسان والمجتمع العراقيين، وان العراق كان مأزوماً في التاريخ وفي الحاضر، وسيبقى مأزوماً هكذا وإلى الأبد، وكأنه بذلك بلد شاذّ عن قوانين الأمم والشعوب والبلدان، متمرّد على قواعد السياسة بين البلدان والأمم، خارج عن سويّة الله في خلقه!
أجل، في العراق أزمة لا ننكرها، تبرز مظاهرها واضحة في الدولة والمجتمع، لكن الحلّ ممكن، والعلاج ميسور، وإمكاناته قائمة في الداخل العراقي، كما على مستوى الخبرة العالمية، حيث مرّت بعض البلدان بأزمات أسوأ كثيراً وأعمق مما مرّ به العراق، ثمّ تجاوزت أزماتها.
حصل ذلك مثلاً في خمسٍ من تجارب الإقليم الإسلامي، هي: ماليزيا وإندونيسيا وإيران والباكستان وتركيا. كما في العديد من تجارب العالم النامي والرقعة الموسومة بالعالم الثالث، من أشهرها تجارب كوريا الجنوبية وسنغافورة، وبقية نمور آسيا، إلى جوارها تجارب ناجحة في جنوب أفريقيا والبرازيل والهند وجورجيا والأرجنتين والتجربة الصامتة الآن كازاخستان، أضف إليها التجارب العملاقة الثلاث في اليابان وألمانيا والصين، فلماذا اليأس والإحباط!؟
ومن الإقليم العربي ثمّ كثير مما تكتنزه التجربة الجزائرية إبّان ما عُرف بالعشرية السوداء (1991ـ 1999م) حيث سقطت الجزائر في أتون حرب أهلية همجية مدمّرة، ثمّ ترسّمت لنفسها سُبل النجاح لتجاوز أزمتها عبر مرحلتين:
الأولى: التوازن القلق، متمثلاً بحقن الدم.
الثانية: تثبيت هذا التوازن، والسعي لتحويله إلى حالة ثابتة.
إن كلّ واحدٍ من هذه البلدان عاش أزمات مركبــــــــــــــــــة في الدولة والحكم من جهة، وفي الإنسان والمجتمع من جهة أخرى، مع ما يترتب على هذه الأزمات من محن إنسانية وتخلف اقتصادي مريع وركود سياسي، ومع ذلك أخذت سبيلها إلى تخطّي أزماتها، وبنــــــــــــــــاء تجاربها الخاصة في النهوض، فلماذا اليأس والإحباط، والتمادي بلغة التبكيت واحتقار الذات العراقية، مع أن في العراق ممكنات للنهوض قد تفوق في حجمها وسعتها وثرائها، ما لدى بعض البلدان الناهضة؟!