الأزمة القائمة !

الصفحة الاخيرة 2019/10/07
...

 جواد علي كسّار
 
واحد من أهّم البحوث في العلوم السياسية هو قصة التغيير بين السلطة والقوى الاجتماعية. تفترض واحدة من أهّم نظريات التغيير الثوري، وجود توازن يحكم السلطة، الى جواره توازنات في داخل المجتمع، تماماً كما يستند الكائن الحيّ في وجوده، الى هذه التوازنات.
لكن التوازن داخل المجتمع يتعرض للانكسار بتأثير عوامل متعددة، منها التحضّر وازدياد حجم سكان المدن، وارتفاع مستويات التعليم، والتصنيع والتطوّر التحديثي، والتأثير المتزايد لوسائل التواصل الجمعي، ونمو الوعي السياسي، والسفر وارتفاع الدخل.
عندما ينكسر التوازن يتحوّل التوتر الناشئ عن ذلك الى تهديد حقيقي للسلطة، ما يضعها امام مفترق طريقين يمثل كلاهما اختباراً صعباً لها وللتوازن الذي تقوم عليه؛ الخيار الأول هو نجاح السلطة، باحتواء المتغيرات الاجتماعية وتحويلها الى عناصر قوة مضافة لبنية الدولة والمجتمع، في حين يتجه الخيار الثاني الى اشعال الشارع عبر شحنٍ من التوترات الجزئية، تتراكم تدريجياً حتى تتحوّل الى عنف شامل، يكتسب في الغالب صيغة الثورة، التي قد تطيح بالنظام الذي فشل في احتواء المتغيرات.
السؤال، هل يخضع ما يجري في بلدنا الان الى هذه النظرية؟ ثمّ ما هو سبيل الخروج من هذه الاثنينية الضاغطة على الدولة والمجتمع معاً؟
ما ثمة شك أبداً في تراكم المتغيرات منذ سقوط النظام 2003 وعلى مدار عقد ونصف من التغيير، بالنسبة الى اكثر المؤشرات، فالناتج الاجمالي في ارتفاع، والدخل الفردي بمعدلاته العامة في تصاعد، معه ازدياد في مؤشرات التعليم خاصة في الدراسات العليا، وتضخم في هياكل الدولة، ونمو متزايد لوسائل التواصل الاجتماعي، الى جوار بروز رمزيات جديدة في الوعي السياسي، وانفتاح البلد على العالم، وارتفاع هائل في معدلات السفر، وشحن متواصل في التوقعات، خاصة مع مقارنة وضع البلد ببلدان الجوار الذي تُحبط به وببقية بلدان العالم.
هذه المتغيرات مجتمعة وعلى ما فيها من علل ونقاش، خلقت مجتمعاً جديداً هو غير مجتمع ما قبل السقوط، وفي النتيجة وضعت الدولة وسلطتها امام الاختبار الصعب؛ اما الاحتواء او العصيان والتمرّد. وهذا بالضبط ما يحصل في بلدنا، فالدولة وسلطاتها لم تعِ ابداً مقدار التغيّر الهائل في الحالة الاجتماعية، وفشلت الى جوار كبريات الاحزاب والاتجاهات المؤثرة في استيعاب حجم التحوّل الاجتماعي.
ممارسات دولتنا في جميع الهزّات الاجتماعية ما بعد التغيير، جزئية وترقيعية، وهي لا تزال كذلك في الازمة الحاضرة، ما يعني ان الحلول التي طرحت للآن قد تُسكّن الازمة قليلاً، لكنها لا تعالجها من الجذور، وان المجتمع قد يهدأ مدة من الزمن، لكن الازمة ستنفجر بمفاعيل اعنف مما حصل الآن، ما يدعو الى مراجعة اساسية نتجاوز من خلالها اسلوب الترقيع، الى الحلول الاساسية، وهي في حالتنا العراقية ليست ممكنة وحسب، بل بمتناول اليد، ولنا للموضوع عودة!