المرجعية تطالب بالكشف عن المتورطين في اعتداءات ساحات التظاهر

العراق 2019/10/11
...

كربلاء المقدسة / الصباح 
 
جددت المرجعية الدينية العليا إدانتها للاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون وعناصر القوات الأمنية، خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد في الأسبوع الماضي، وحمّلت المرجعية العليا «الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولية الدماء التي أريقت في تظاهرات الايام الماضية، سواء من المواطنين الأبرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها»، كما طالبت «بقوة» الحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية بشأن كل ما وقع في ساحات التظاهر وكشفه أمام الرأي العام وعدم التواني في ملاحقة المعتدين واعتقالهم وتقديمهم الى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم، وحددت المرجعية العليا مدة «أسبوعين» لإكمال التحقيقات وتقديم منفذي الاعتداءات للمحاكمة. 
وتلا بيان المرجع السيستاني، ممثله في كربلاء المقدسة الشيخ عبد المهدي الكربلائي، وذلك خلال خطبة الجمعة في صحن المرقد الطاهر للإمام الحسين «عليه السلام»، وتنشر «الصباح» النص الكامل لبيان المرجعية، وجاء فيه: في خطبة الجمعة الماضية أكّدت المرجعية الدينية إدانتها ورفضها للاعتداءات التي تعرض لها المتظاهرون السلميّون والعديد من عناصر القوات الأمنية، خلال الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في الاسبوع السابق، كما أدانت ما وقع من احراق وإتلاف بعض المؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة في تلك التظاهرات. وعبّرت عن أملها بأن يعي الجميع التداعيات الخطيرة لاستخدام العنف والعنف المضاد في الحركة الاحتجاجية الجارية في البلد، فيتم التجنب عنه في كل الاحوال.
ولكن الذي حصل خلال الايام التالية هو تصاعد أعمال العنف بصورة غير مسبوقة واستهداف اعداد متزايدة من المتظاهرين بإطلاق النار عليهم، وحصول اعتداءات سافرة على بعض وسائل الاعلام لمنعها من نقل ما يقع في ساحات التظاهر.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الجهات الرسمية أنها اصدرت اوامر صارمة بمنع القوات الأمنية من إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين سقط الآلاف منهم بين شهيد وجريح في بغداد والناصرية والديوانية وغيرها، بالاستهداف المباشر لهم من الاسلحة النارية بمرأى ومسمع الكثيرين، في مشاهد فظيعة تنمّ عن قسوة بالغة فاقت التصور وجاوزت كل الحدود.
إن الحكومة وأجهزتها الأمنية مسؤولة عن الدماء الغزيرة التي أريقت في تظاهرات الايام الماضية، سواء من المواطنين الابرياء أو من العناصر الأمنية المكلفة بالتعامل معها، وليس بوسعها التنصل عن تحمل هذه المسؤولية الكبيرة.
هي مسؤولة عندما يقوم بعض عناصر الأمن باستخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، ولو بسبب عدم انضباطهم وانصياعهم للأوامر الصادرة إليهم أو لعدم كونهم مؤهلين ومدرّبين للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية بحيث يُتجنّب عن وقوع الضحايا في صفوف المشاركين فيها.
هي مسؤولة عندما تقوم عناصر مسلحة خارجة عن القانون - تحت انظار قوى الأمن - باستهداف المتظاهرين وقنصهم، وتعتدي على وسائل اعلام معينة بهدف ارعاب العاملين فيها.
هي مسؤولة عندما لا تحمي عناصرُها الأمنية المواطنين والمؤسسات الحكومية والممتلكات الخاصة من اعتداءات عدد قليل من المندسين في التظاهرات من الذين لم يريدوا لها أن تبقى سلمية خالية من العنف.
إن المرجعية الدينية إذ تدين بشدة ما جرى من إراقة للدماء البريئة واعتداءات جسيمة بمختلف اشكالها، وتبدي تعاطفها مع ذوي الشهداء الكرام ومع الجرحى والمصابين، وتؤكد على تضامنها مع المطالب المشروعة للمتظاهرين السلميين - كما بيّنت ذلك في تظاهرات الاعوام السابقة أيضاً - تطالب بقوة الحكومة والجهاز القضائي بإجراء تحقيق يتّسم بالمصداقية بشأن كل ما وقع في ساحات التظاهر، ثم الكشف أمام الرأي العام عن العناصر التي أمرت أو باشرت بإطلاق النار على المتظاهرين أو غيرهم، وعدم التواني في ملاحقتهم واعتقالهم وتقديمهم الى العدالة مهما كانت انتماءاتهم ومواقعهم، ولا بد من أن يتم ذلك خلال مدة محددة - كأسبوعين مثلاً - ولا يجري التسويف فيه كما جرى في الاعلان عن نتائج اللجان التحقيقية في قضايا سابقة.
إن هذا هو الاجراء الاكثر أهمية وإلحاحاً في الوقت الحاضر، وهو الذي يكشف عن مدى جدية الحكومة وصدق نيتها في القيام بخطوات واسعة للإصلاح الحقيقي، إذ لن يتيسر المضي في أي مشروع إصلاحي، بما يتطلّبه من مكافحة الفساد المالي والاداري وتحقيق درجة من العدالة الاجتماعية، ما لم يتم فرض هيبة الدولة وضبط الأمن وفق سياقاته القانونية، ومنع التعدي على الحريات العامة والخاصة التي كفلها الدستور، ووضع حدٍّ للذين يهدّدون ويضربون ويخطفون ويقنصون ويقتلون وهم بمنأى من الملاحقة 
والمحاسبة.
إن المرجعية الدينية العليا ليس لها مصلحة أو علاقة خاصة مع أيّ طرفٍ في السلطة، ولا تنحاز إلا الى الشعب ولا تدافع الا عن مصالحه، وتؤكّد ما صرّحت به في نيسان عام 2006 عند تشكيل الحكومة عقيب أول انتخابات مجلس النواب من أنها (لم ولن تداهن أحداً أو جهة في ما يمس المصالح العامة للشعب العراقي، وهي تراقب الأداء الحكومي وتشير الى مكامن الخلل فيه متى اقتضت الضرورة ذلك، وسيبقى صوتها مع أصوات المظلومين والمحرومين من أبناء هذا الشعب أينما كانوا بلا تفريق بين انتماءاتهم وطوائفهم واعراقهم). ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.