سالم مشكور
كثيرة هي الاتهامات التي وجهت لجهات داخلية وخارجية بالتدخل في التظاهرات الأخيرة، تحريكاً أو استثماراً، لكن ذلك لا يلغي حقيقة الدوافع الاقتصادية كمحرّك رئيس للتظاهرات. لا يناقش أحد في أن الوضع الاقتصادي يعاني أزمة حقيقية عناصرها في تزايد واتساع، ومعرقلات حلّها، وعلى رأسها الفساد، عصية على المعالجة، لذلك فإن الاكتفاء بالحديث عن وجود مؤامرة والتغافل عن المشكلة الحقيقية لن ينهي المشكلة بل يحولها الى قنبلة موقوتة تنفجر كل حين. لا تنفع في ذلك إجراءات سطحية دورها كمسكّن الألم الذي لا يعالج المرض.
الإجراءات السريعة مطلوبة لكن العلاج الحقيقي هو في خطوات اقتصادية كبيرة مقرونة بمستلزمات النجاح والانجاز وليس الغرق في بحر الروتين والفساد وضغط الكتل والمجموعات المسلحة لمصالح شخصية وفئوية.
منذ سنوات والخبراء يصرخون: لا حل الّا بقطاع خاص حقيقي واستثمارات كبيرة. هذا الحل يوفر فرص عمل حقيقية وليس وظائف في الحكومة تفاقم ظاهرة البطالة المقنعة التي تثقل موازنة البلاد. قانون الاستثمار الحالي قاصر، والإجراءات الروتينية منفّرة للمستثمر، والفساد يعرقل ويضاعف من كلف المشاريع، ناهيك عن الابتزاز اللاحق للمستثمرين من قبل جهات مسلحة على الأرض أو عشائر في منطقة المشروع. كلها عوامل جعلت من الاستثمار كذبة كبيرة وذريعة للإيفادات الخارجية وعقد المؤتمرات الخارجية وحسب. نحتاج الى قوانين حقيقية للضمان الاجتماعي تضمن حد الكفاف للعاطل وحقوقاً تقاعدية للعامل في القطاع الخاص أسوة بالموظف الحكومي، مع التشدد في تطبيق قوانين العمل التي تضمن هذه الحقوق.
في موضوع الإرهاب، لطالما جرى الحديث عن حواضن اجتماعية وضرورة معالجتها سياسيا واقتصاديا. ذات الامر ينطبق على التدخلات الخارجية التي يجري الحديث عنها، فهي تتخذ من الفقر والحرمان حاضنة لها، وبدل التخوين واتهام الاخرين، لابد من معالجة الحاضنة الاقتصادية بسياسات ومشاريع ستراتيجية من دون إغفال للخطوات السريعة للمعالجة.
لو انشغل الناس بأعمال حقيقية وحصلوا على مداخيل توفر لهم العيش الكريم، بوجود خدمات رئيسة كالطبابة والتعليم والبنى التحتية ، سيقفون هم بوجه كل من يحاول اثارة القلاقل أو زعزعة الامن، لأنهم حينها سيدافعون عن أنفسهم ومصالحهم.