وكأن التحولات السياسية والاجتماعية .. التي تمر بها الشعوب لا تلقي بظلالها على الواقع فتميز المثقف الحقيقي عن غيره ليقول كلمته ويكتب موقفه مسرحا او قصة او رواية.
لقد فرز العقد الاخير، على اقل تقدير، وبصورة جلية موقف المثقف العراقي من ازمات بلاده، فمنهم من وجد في طروحات الحكومة غايته، ومنهم من حاول الابقاء على ارديته السابقة او الاكتفاء بما لديه، وهناك من حاول وما زال اعلاء شان الثقافة والفن عبر مواكبة مشكلات شعبه وقراءة ازماته بعناية ليقدم ما يليق بتاريخ العراق.
في المسرح، لا بد لنا من اعادة بناء جسور التواصل بين المسرح وجمهوره، واعني هنا مسرحا ذا هوية تقديمه وجمهورا يتطلع للتغيير في شتى مجالات الحياة. فليس من المنطقي ان ينادي الشارع بطرد الفاسدين وتثبيت الهوية الوطنية ورفض التدخلات الخارجية بينما يبحث المسرح في قضايا ثانوية او بعيدة عن تطلعات الشعب. لا بد للمسرح ان يكون جزءا من الوظيفة الاجتماعية للمجتمع، لا ان يتحول الى مسرح تسلية هدفه اضحاك من لا يجد قوت يومه او عملا يعتاش منه او فرصة عمل يستحقها، ولنا في التاريخ القريب العديد من النماذج التي جعلت من الفرق المسرحية الاهلية العراقية بديلا وملاذا للكثير من الفنانين العراقيين في مقابل الفرقة القومية للتمثيل، ولم تستطع السلطة استقطابهم الا بعد ان قرأت الامر جيدا فقللت من قيودها الفنية على اقل تقدير. ان للمسرح هوية غير تلك التي تبحث عنها كل السلطات والحكومات على مر التاريخ، هو في الاساس مسرح تعليمي وتحريضي كما رآه برشت وعمل على ذلك في بواكير حياته بعد ان واجه مسرح الطبقة البرجوازية الحاكمة آنذاك.
ان المسرح اداة تنوير وتثقيف وحفظ وتحريض لقمع كل اشكال الهيمنة الفكرية الجديد منها والقديم. ترى الى اين اوصلتنا الافكار المهيمنة الان؟ الى مرحلة لا يوجد فيها موسم مسرحي عراقي، تصورا الامر، العراق الذي اشتهر بمسرحه وفنانيه ليس لديه موسم مسرحي!! واكثر من نصف مسارحه مغلقة، ولا اغالي اذا قلت ان الطبقة المثقفة العراقية تعاني الامرين بعد ان تحولت الى طبقة شبه عاطلة عن العمل. ان من حق المثقف العراقي الحقيقي، الذي ميزته المرحلة الحالية وهي مرحلة مخاض عسير، ان يقدم، وان شحت المصادر وعرقلت ال جهود، في كل عمل لبنة لإعادة بناء الجسر الانساني والثقافي والوطني بين المسرح وجمهوره ، وعلى السلطة ان شاءت اعادة الثقة بتطلعاتها الوطنية وبرامجها التطويرية ان تعيد الاعتبار لرموز المسرح العراقي والنهوض بواقعه وتوفير مستلزمات اعلاء صوته من جديد. ان الوطني لا يخشى من الوطني الاخر، ومثلما يحق للسياسي والدارس والاكاديمي ان يقرأ التاريخ ويقول كلمته إنه يحق للمثقف ايضا باعتباره من صناع التاريخ ان يقول كلمته السلمية فنا
راقيا .