صدر عن المركز القومي للترجمة كتاب مستقبل القوة لـ( جوزيف إس ناي)، الكتاب جزء من أدبيات العلاقات الدولية الأميركية ويركز على مستقبل المكانة الأميركية في بنية النظام الدولي، وبمقدار ما عزز سقوط الاتحاد السوفييتي من نزعة الزهو الأميركي كما تبدت في (نهاية التاريخ) لفوكوياما، فإنه أيقظ قلقا كامنا على مستقبل الولايات المتحدة كان قد قرع بول كينيدي أجراسه الأولى في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وقبل الإعلان الرسمي عن سقوط الاتحاد السوفييتي ببضع
سنين.
وإذا كان الاتجاه الغالب على الأدبيات الأميركية ذا نزعة تشاؤمية توحي باحتمال التراجع الأميركي مع تباين في إيقاع هذا التسارع من كاتب لآخر، فإن كتاب جوزيف ناي (مستقبل القوة) يقف في الطرف المقابل متشككا في صحة النزعة التشاؤمية تلك، ويسعى لنزع صفة الحتمية عن التراجع الأميركي، لكنه يشترط لذلك إعادة النظر في مفهوم (القوة) بما يتناسب والسياق التطوري لبنية المجتمع الدولي ومعلوم أن مفهوم القوة ثاو في المنظومة المعرفية الأميركية في تجلياتها المختلفة وبخاصة السياسية وهو ما يعني أن كتاب جوزيف ناي يمس القيمة العليا في المنظومة القيمية السياسية الأميركية والتي هي نتيجة (للثقافة السياسية والمؤسسات السياسية الأميركية) كما يقول، لكن مساهمته الأبرز هي في النقد الشديد للنظرية الواقعية والدعوة لفهم جديد للقوة من ناحيتين: أنماط القوة (وهو الجزء الأول من الكتاب ويركز فيه على القوة الاقتصادية والعسكرية)، وتوزع القوة وانتقالها (وهو الجزء الثاني من كتابه ويتناول فيه نمطين من القوة، هما: القوة الناعمة (soft power) والقوة الكيسة (smart power) التي تجمع بين القوة الخشنة والناعمة، ليخلص في نهاية الدراسة لمناقشة موضوع (التراجع الأميركي
واحتمالاته) .