نوعا الثراء

ثقافة 2019/10/20
...

ياسين النصير
 
تبين الثقافة بعموميتها ثمة نوعين من الثراء يمكن تداولهما في أي مجتمع متأرجح بين أن يكون حديثا بما يملكه من ثروات، أو أن يكون متأخراً بما يملكه من عقائد دينية واجتماعية متشعبة، وبالطبع سيخلق الثراء من كلا النوعين رموزاً اجتماعية وتميزاً عن بقية الناس، فمن يملك المال سيكون في ظاهرة المتميزين القادرين على شراء ما يريدون وادخار ما يملكون، وبالتالي يتحول الرأسمال إلى قوة بيد شلة معينة امتهنت إدارة أعمالها غير المتعلقة بحياة الناس، وهؤلاء لا يضعون ثرواتهم تحت تصرف أي مشروع خدمي، بل يراكمون ثرواتهم بعيداً عن اسهامهم في تنمية البلاد أو تنشيط الدوائر العلمية والتقنية لأي مشروع
، وبالطبع يوجد الكثير منهم في البلدان التي لا تعرف توجهاتها الاقتصادية والسياسية اتجاها معيناً، خاصة تلك البلدان المسنودة برأسمال رمزي آخر وهو رأسمال الرموز الدينية والاجتماعية والطبقية، ولهؤلاء مكانة بين سكان القرى أكثر مما هو بين سكان المدن، حيث الرمز بأشكاله المتعددة يمتلك قدرة الحضور والممارسة الاجتماعية الوجاهية وادعاء الحلول، والبحث عن قوى تمكنه من أن يبقى نموذجاً للعامة، إما بثرائه الرمزي، أو بثرائه المالي لاحقاً عندما استغل الثراء الرمزي 
للاغتناء.في المدينة ثمة اختلاف بين الرؤيتين لأصحاب الأموال، ولأصحاب الوجاهات الرمزية، ولكن المدينة نفسها تحتاج في مراحل تشكل آليات اقتصادها إلى هذين النوعين من الأثرياء، تحتاج رجال الدين لتمشية أمور بعض حلقاتها الاقتصادية الشعبية بصفتهم يمتلكون رأسمالا رمزياً مسنداً بعقائد وتاريخ خاص بهم، وللرأسماليين الصغار والكبار باعتبارهم يمتلكون خططاً ولو كان بسيطاً لتطوير آليات المدينة. وفي كلتا الحالين يكون للمكانة المالية والرمزية وجوها دالة على المكانة الاجتماعية، الأمر الذي يجعل تطور بعض حلقات المدينة مبنية على الرغبات وليس على الخطط، كما يحدث الآن في بعض المدن العراقية حيث تبنى المولات والأسواق الاقتصادية من دون أن تبنى مؤسسات للعمل والتطوير وثقافة التقنيات، مما يعني أن توظيف الرأسمال المالي يقترن بتوظيف الرأسمال الرمزي. 
في الاقتصاد العالمي، وخاصة الفوردية، نجد أن الرأسمال المالي وُظف لصالح تطوير المدينة، حين وظف ملايين العمال بدخل محدود “5” دولارات لليوم مقابل 8 ساعات عمل، ولكي يستغل الرأسمالي هذه المدخولات افتتح مدرس ومستشفيات وعبّد طرق المواصلات، واهتم بالزراعة والصناعات اليدوية، واستثمر الزمن استثماراً اقتصادياً، وبذلك استرجع وبشكل مضاعف تلك المعاشات المحدودة لصالحه، لن نتحدث عن الطريقة التي اتبعها فورد في تقسيم العمل، فتلك طريقة معقدة مكنته من أن يبني اقتصاداً يعتمد على تنظيم الحركة والزمن. ما يهمنا أن هذه الطريقة لم تستثمر لاحقاً في أي من بلدان العالم الثالث، لهيمنة الرأسمال الرمزي على الرأسمال المالي، وبدلًا من الشعار العالمي الذي يقول :الانتاج الكثيف يعني الاستهلاك الكثيف، لم نجد عقلية اقتصادية توظف هذه الثقافة العامة في مشاريعها، بما فيها تنظيم اليد العاملة، ومع أن الأمركة والفوردية حسب رأي غرامشي أسستا طريقة “ غير مفصولة عن طرائق محددة في العيش والتفكير والشعور” إلا أنها مهدت إلى قيام الشركات بدور تنظيم الاقتصاد، خاصة ان الفوردية استغلت أوضاع اميركا بعد الحرب العالمية الأولى، ومهدت لذلك بطرائق اولية قائمة على قرارات واجراءات افراد قبل أن تتحول العملية لاحقاً إلى شركات ومؤسسات.