اتسع تأثير العشائر العراقية في مشهد الحياة اليومية بعد نيسان 2003، فأصبحت تُعد الان المرجعية الثالثة المؤثرة في المجتمع، بعد المرجعيتين الدينية والسياسية، وتمثل في بعض الأحيان هدفاً يسعى اليه السياسيون المتنافسون للحصول على الأصوات في صراع الانتخابات بشقيها المحلي والنيابي. وفي الوقت الذي شدد فيه أعضاء في مجلس النواب على ضرورة تشريع قانون ينظم عمل العشائر، يحذر آخرون من تبعات استشراء الدور العشائري وسطوة مفاهيمه في الحياة اليومية.
لجان غير مكتملة
وأوضح رئيس لجنة التعايش السلمي البرلمانية، عبود وحيد العيساوي، ان مقترح قانون "العشائر" قدم في الدورة السابقة من قبل رئيس الجمهورية وطرح في مجلس النواب كقراءة اولى واثار جدلا اعلاميا وبعض الاعتراضات في ذلك الوقت، وصودف أن القراءة الثانية للقانون كان توقيتها بالقرب من الانتخابات وكلجنة عشائر في وقتها طلبنا التريث في طرحه على التصويت.
وقال العيساوي، في حديث لـ"الصباح": ان بعض اللجان البرلمانية في الدورة الحالية ما زالت غير مكتملة ومن بينها لجنة المصالحة والعشائر والشؤون الدينية فلم تأخذ دورها بالشكل الطبيعي، مبيناً أنه بصفته رئيساً للجنة التعايش السلمي في البرلمان يسعى الى دمج لجنة التعايش السلمي بلجنة المصالحة والعشائر وتسمى لجنة التعايش السلمي والعشائر وسنسعى الى هذا الموضوع مع احتفاظ النواب بعضويتهم في اللجان الاخرى سعياً لتوحيد هذه الجهود.
أهداف قانون "العشائر"
وفي ما يتعلق بتحريك مشروع القانون، أوضح العيساوي أنه ليس لدينا اي معلومات عن القانون، ولكن الحملة لتشريع القانون في الدورة السابقة كانت دون غطاء قانوني وكان الهدف تشكيل مجلس من شيوخ القبائل العموم وشيوخ العشائر الاصلية وهذا المجلس ليست به اي استفادة مالية بقدر جمعه للقبائل الاصيلة وتنظيم عملها وفق القانون ودعم خطة الدولة والوقوف ضد العشائر التي تنتحل صفة وتحمل هويات ممنوحة من مكاتب واحزاب سياسية وغيرها وتستخدم الصفة العشائرية بشكل سلبي أثر كثيراً في سمعة أبناء العشائر الاصلاء. ويشير العيساوي الى نقطة جديرة بالاهتمام هي ان القانون جاء لينظم عمل العشائر وتفعيل دورها الاجتماعي المهم وليس كما تناولته وسائل الاعلام الحزبية، وعلى الرغم من وجود بعض السلبيات إلا أنه لا يمكن إنكار دورها المهم في تعزيز العلاقات والتكافل الاجتماعيين وتقوية الصلة بين العشائر والمواطنين، لذا نسعى الى ان يكون المجتمع تحت سقف القانون حتى لا يكون هناك تجاوز من قبل بعض العشائر.
ومن وجهة نظره، يرى العيساوي أن هذا القانون اصبح حاجة ملحة لضبط عمل العشائر وتحميلها مسؤولية تجاوزات بعض الاتباع وبالتالي تتعامل الدولة مع شيوخ العشائر بشكل محدد دون خلط الاوراق للحفاظ على هيبة الدولة والقانون.
صلاحيات نافذة
بدوره، يؤكد رئيس اللجنة القانونية النيابية محمد الغزي عدم الاطلاع على اي معلومات عن ما يتضمنه "قانون العشائر" الذي اثار، وبحسب قوله، جدلا كبيرا منذ الدورة السابقة.
وقال الغزي، لـ"الصباح": ان لجنة العشائر النيابية غير مكتملة الاعضاء لغاية الان وطرحها لقانون جديد يسبب خللا في الاجراءات التشريعية الا اذا صار الاتجاه الى خيار ثان يتضمن الحصول على توقيع عشرة نواب لطرح مشروع القانون، مبيناً ان اللجان المختصة، ومن بينها اللجنة القانونية، ينبغي أن يكون لها راي فيما اذا كان هذا القانون مطابقا للدستور او لا، ولكن حاليا ليست لدينا كلجنة معلومات عن ما يتضمنه مشروع القانون واهدافه. يشار إلى أن مشروع قانون مجلس القبائل والعشائر العراقية يتضمن، بحسب المعلومات، مواد تهدف للحد من الظواهر السلبية في المجتمع، ومن شأن هذا المجلس، كما يرى مؤيدوه، أن يُلزم العشائر من الناحية الأخلاقية والوطنية بالأخذ بما يقرره المجلس.
الدستور والقانون
ومن الناحية القانونية، لفت القاضي ناصر عمران إلى أن مفردة العشيرة او القبيلة في القوانين المدنية او قوانين الاحوال الشخصية لم ترد في الدستور العراقي الا في المادة (45/ثانياً) التي تنص: "تحرص الدولة على النهوض بالقبائل والعشائر العراقية، وتهتم بشؤونها بما ينسجم مع الدين والقانون، وتعزز قيمها الإنسانية النبيلة، بما يسهم في تطوير المجتمع، وتمنع الأعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الإنسان".
وأوضح عمران، في حديث لـ"الصباح"، الحقيقة ان الدستور العراقي منح اعترافا دستوريا وقانونيا للقبائل والعشائر العراقية من باب النهوض بها والاهتمام بشؤونها انسجاما مع القانون والدين والقيم الانسانية ومنع الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان، مشيراً إلى أن مفردة النهوض بالقبائل والعشائر العراقية تبقى مفردة دستورية فيها الكثير من الاتساع التي من الممكن ان يتم من خلالها صياغة قانون للعشائر العراقية كمحاولة لمنح الاعراف العشائرية الايجابية التي تتماهى مع القانون والدين وحقوق الانسان بعدا قانونيا في ظل نهج ومساحة من الحرية والشعور بالذات والحق الشخصي.
واستدرك عمران أن الامر سيكون في غاية الحساسية والخطورة لان أي تضخيم للدور العشائري سيكون بالتاكيد على حساب مدنية الدولة وسيادة القانون ومفهوم الانتماء الجامع والمانع والمقدس وهو المواطنة، معبراً عن خشيته من أن يجر أي قانون للعشائر والقبائل العراقية الى احتقانات ومشكلات للحكومة والدولة هي في غنى عنها.
ويضيف عمران ان الاعراف العشائرية التي تتنافى مع حقوق الانسان وجدت حضورا عقابيا وردعا لها في قانون الاحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 في المادة (9) من القانون وكذلك في قانون مكافحة الارهاب وقانون العقوبات العراقي، لافتاً إلى ان سن قانون للعشائر والقبائل العراقية من اختصاص السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس النواب واذا ما تم تشريعه فانه بالتاكيد سيجر البلاد الى انتماءات عرقية عشائرية قبلية في الوقت الذي نحتاج الى قوانين وتشريعات تعزز من الهوية الوطنية ومدنية الدولة.