الثقة الغائبة !

الصفحة الاخيرة 2019/10/21
...

 جواد علي كسّار
 
أغلب الظنّ أننا لانعرف مجتمعاً في العالم أنفق ما أنفقه مجتمعنا خلال زيارة الاربعين ، فمهما كان المقياس ونوعه فالشعب العراقي يأتي في الطليعة ، بما بذله وقدّمه من خدمة في الطعام والشراب والسكن والنقل والصحة وبقية لوازم الحياة في ظلّ هذه الزيارة ، وهذا هو أهم دروس الاربعين ؛ البذل والانفاق والعطاء بلاحدود.
سؤال هذه البديهة : لماذا يفعل العراقيّ ذلك ؟ وما هو الدافع من وراء روحية البذل هذه ، ليس في هذه السنة وحدها بل على مدار عمرنا ، منذ ادراكنا الحياة ووعينا ما يدور من حولنا ؟
اجتهادي في الجواب يكمن بكلمة واحدة ، هي الثقة ، واعتقد أن الجوابات جميعاً ترتد الى هذه الاجابة . فلو قلنا أن العراقيين يهبون أموالهم حباً للحسين ، فمرجع ذلك الى الثقة ، لانّ الناس في العادة لا تحبُ إلا من تثق به . ولو قلنا أنهم يفتحون بيوتهم للجميع تكريماً لصاحب الذكرى  ، فمردّ ذلك الى الثقة ، اذ من اليقين أنهم لايفعلون ذلك من دون ثقة بصاحب الذكرى . ولو قلنا أنهم يبذلون دون حدود في سبيل الله وبدافع القربة الى الله ، فإن ثقتهم في قتيل الله وثأره ، هي السبيل الى هذا البذل ، بل حتى لو قلنا أنهم يفعلون ذلك مروءةً واثباتاً للذات الفردية والجماعية ، فلا ريب أنهم فعلوا ذلك من خلال ثقتهم برمز المناسبة وصاحب الذكرى وسيدها ، الذي فجّر هذه المكارم  جميعاً.
النتيجة ، مهما شرّقنا في التفسير وغرّبنا ، فسننتهي الى الثقة ونرجع اليها ؛ الثقة المطلقة بالحسين ، حتى استحق كلّ هذا البذل اللامتناهي  والعطاء المفتوح دون حساب ، اذ تشارك الفئات جميعاً الفقيرة والوسطى والغنية، المتعلمون و غيرهم ، الشباب والنساء والاطفال والرجال والشيوخ ، سكنة الحضر والارياف ، بما يعز نظيره ، بل لانظير له في حاضر الشعوب ، في العالم ومن حولنا .
الغريب ان هذا البذل الذي يغمر الملايين ، والعطاء المفتوح دون حساب على مدار اسبوعين واكثر من حياة العراقيين ، يحصل دون رقابة على الناس من أحد ، ومن دون دعاية ولارعاية ، وبلا مندوبين وبلا حضور ممثليات وتنسيقات ، ولا أحزاب ولا شخصيات ولاهم يحزنون ، بل تتفجر براكين العطاء هذه ليل نهار وصباح مساء ‘ بوازع ذاتي ‘ وبمحبة وبهجة تغمر الجميع ؛ مرة اخرى لمحض الثقة الفياضة المطلقة بصاحب الذكرى ورمز المناسبة . 
والدرس المستلهم  من زيارة الاربعين ورمزها سيد الشهداء ، أننا اذا اردنا العطاء والبذل، فضلاً عن الفداء والتضحية ، فينبغي لنا ان نكسب الثقة ، واذا ماربحنا في كسب الثقة ، سنربح عطاء الناس .
اسجل بصراحة ، لو عاش العراقي جزءاً يسيراً من هذه الثقة ، ولو حظي بلده ومؤسساته واحزابه وقياداته منه ببعض هذه الثقة ، لمحضها العطاء . السؤال :كيف نغرس روح الثقة لكي نغدق بهذا العطاء والمواهب على بلدنا ؟ الحقيقة ليس لدي جواب ناجز ، بل يمثل امامي درس الحسين ، الذي فجر ولايزال في هذا الشعب ، المكارم كلها وفضائل البذل والعطاء ، وهو يفعل ذلك من وراء الافق ، بغيابه الحاضر وحضوره الغائب ، وبكربلاء وحدها من وراء القرون!