موقف محايد!

الصفحة الاخيرة 2019/10/22
...

حسن العاني 
 
منذ بضع سنوات انتعشت التظاهرات السلمية في العراق انتعاشاً ملحوظاً، سواء تلك التي ترفع شعاراً مطلبياً محدداً كالتعيين مثلاً او توفير الماء الصالح للشرب، ام التي ترفع مجموعة شعارات عامة تشكو من شحة الخدمات مثلاً او انعدامها، وتطالب بتوفيرها، مثلما تطالب بإجراء اصلاحات شاملة ومعالجة الرواتب والبطالة والفساد..الخ، ومع الايام تحولت تلك التظاهرات السلمية والاحتجاجات الى ظاهرة، بحيث لا تكاد تفتر هنا حتى تشتد هناك...
اعتقد جازماً ان الذين وهنت عظامهم مثلي، توصلوا الى قناعة اكيدة مفادها: إن الوقوف على الحياد هو اسلم شيء للمواطن المغلوب على امره وعمره وصحته، لانه لو وقف الى جانب الحكومة فياويله من غضبة الناس وما يمكن ان يتقولوا عليه، وادنى تلك التقولات انه باع نفسه للسلطة، وقبض الثمن على حساب شعبه (مع ان الطبقة السياسية التي تقود السلطة لا يعنيها اذا خرجت كل يوم الف تظاهرة، ولكن يزعجها جداً لو دفعت الف دينار زيادة على رواتب موظفي الدفاع المدني مثلاً) او وقف الى جانب الشعب فياويله من غضبة الحكومة التي ان لم تفعل شيئاً فأنها تبدأ بفتح صدرها الرحب للدعاوى الكيدية!
وهكذا فان الويل هو نصيب من يقف مع احد الطرفين، وبالتالي فطالب النجاة وراحة البال عليه بالحياد، ولكن هذا الموقف يعبر عن (حياد سلبي) لا يليق بالعقلاء والحكماء ولا بتاريخ العراقيين المشرف، وللخروج من هذا المأزق رأيت بعد تفكير طويل ان نستعيد مفهوم (الحياد الايجابي) الذي ساد ايام نهرو وعبد الناصر ورفاقهما، ويُراد به عدم التدخل في الحروب او الصراعات الدولية، مع الوقوف في الوقت نفسه الى جانب الحق ومناصرة المظلومين والعمل على تهدئة الاوضاع المتوترة لتجنيب العالم مغبة حرب كونية ثالثة، ولكوني عراقياً بالولادة والولاء والحب، ومحسوباً على العقلاء والحكماء ولا ارتضي لنفسي ان اكون متفرجاً، فقد (ذهبتُ) الى المتظاهرين ولم (أخرج) معهم، وخاطبتهم بلغة ابوية (ابنائي واحفادي، انا لا امثل احداً ولا انوب عن احد، ولكن مصلحة العراق التي هي مصلحة الجميع، قادتني الى هنا لكي اقول لكم: المطالب التي تدعون اليها كثيرة متداخلة متشعبة وبعضها في غير اوانها، وهذا يؤدي الى الفوضى بين صفوفكم، ويربك الحكومة لانها لا تدري ماذا تريدون وما هي اولوياتكم، ولذلك يقضي المنطق ان تتظاهروا كل جمعة فقط مطالبين بقضية واحدة واضحة ومحددة، وبذلك تسهّلون الامر على الحكومة لانها تملك اذناً واحدة وليس مئة اذن، وغالباً ما تتعرض الى العطل واحياناً الصمم لكثرة الاحمال عليها.. ادعو الله ان يوفقكم وان ينصر الحكومة).. فجأة سألني أحد المتظاهرين (حجي يطوّل عمرك.. إذا خصصنا يوم الجمعة لواحد من مطالبنا فسوف نبقى نتظاهر عشرين سنة) لم اغضب، شعرت ان هذا المتظاهر المراهق على حق وان حكمة الشيوخ اصبحت بالية امام شباب الانترنت، قررتُ الانسحاب خجلاً لولا ان رجلاً متعافياً من قوات الامن سألني (هل انت مع المتظاهرين) اجبته (لا .. أنا على الحياد) استغرب وتطاير الشرر من عينيه (اذا انت مو منهم، احد عاتب عليك تلقي خطابات سخيفة، ليش احنه ناقصين وجع راس)، شعرت انه على حق، وادركت ان الامور وصلت الى طريق مسدودة ولن يجدي معها منطق الحكمة والعقل ولا الحياد الايجابي!!