دلالات التشكيل في {ألم ومجد» ألمودوفار

الصفحة الاخيرة 2019/10/22
...

 
 
 
صلاح سرميني
كي نفهم السينما التجريبية ونتذوّقها، من المُفيد أن نمتلك الحدّ الأدنى من الثقافة التشكيلية.
وهنا يمكن الاستعانة بمثالٍ عشوائيّ، وليكن اللوحات المُركبة للفنان الصينيّ
 (Zao Wou-Ki)، وبالتحديد تلك المُكوّنة من ثلاث لوحاتٍ متجاورة، يمكن اعتبارها لوحة بحدّ ذاتها، وكلّ لوحة منفردة من هذه الثلاثيات هي لوحةً لوحدها.
في السينما، ومنذ بداياتها، كانت هناك شاشة واحدة، ومع تطوّر اللغة السينمائية، بدأ بعض المخرجين، ورُبما معظمهم، استغلال إمكانية تقسيم الشاشة إلى مساحتيّن، وأكثر، وربما أكثر. وذلك بهدف تجسيد أحداث تجري في زمنٍ ومكانٍ واحد، أو في أزمنةٍ ومكنةٍ مختلفة.
السينما التجريبية ذهبت في بحوثها الجمالية/الشكلية إلى أبعد من ذلك، استخدام شاشتين، أو أكثر لعرض فيلم، وحتى الانتقال من شاشةٍ الى شاشاتٍ  أخرى.
ومع تطوّر التقنيات الرقمية، أصبح بالإمكان تقسيم الشاشة إلى عددٍ لا يُحصى من الشاشات الصغيرة جداً.
السؤال الأن : من هو الفنان الرائد الذي استوحى إمكانية تقسيم اللوحة التشكيلية إلى عدة لوحاتٍ متجاورة كما حال النموذج الحالي (لوحات الفنان الصيني) ؟
هل السينما هي التي أوحت بهذا التقسيم إلى الرسم، أم أنّ الرسم هو الذي أوحى ذلك للسينما ؟
ومع أنّ الإجابة تحتاج إلى بحثٍ مُعمّق في تاريخ الوسيطيّن، ما أعرفه بأن التجريد شكلٌ من أشكال المُمارسة التشكيلية في الفن المُعاصر، لماذا نقبله إذاً، ونتذوّقه، وعندما نشاهد فيلماً تجريدياً نتوقف عنده، ونضطرب، وتتعطل إمكانيات استقبالنا؟ مع أنه لو نبشنا في ذاكرتنا، سوف نجد التجريد في الكثير من الأفلام الحكائية، ومن أمثلتها الحديثة التاريخ، بداية فيلم “ألم، ومجد” للإسباني بيدرو 
ألمودوفار .
في هذا الفيلم، وبعيداً عن الحكاية التي يمكن معرفتها بمشاهدة الفيلم نفسه بدون اللجوء إلى هذا النصّ النقديّ الانطباعيّ، أو ذاك التلخيص الصحفي، فإنّ ما يُلفت الانتباه، انتباه من يتابع الحكاية، والشخصيات، والأحداث من خلال مفرداتها السينمائية، ذاك المشهد الافتتاحيّ القصير التجريبيّ بامتياز، حيث تتداخل الألوان في ما بينها، وتتوالد، وتتدفق في فضاءٍ 
حلميّ.
المتفرج الفضولي الباحث عن مكوّنات الصورة، سوف يتساءل عن أسباب استخدام هذه الافتتاحية التي تُحيلنا فوراً إلى السينما التجريبية، ولكنه عندما يتفحص لاحقاً كلّ تلك اللوحات التي نشاهدها معلقة في الديكورات الداخلية للفيلم، وحتى نعثر على جذورها الكامنة في اللاوعي (لاوعيّ المخرج/الشخصية الرئيسة) في صورةٍ يرسمها عاملٌ شاب للشخصية الرئيسة “سلفادور/أنطونيو بانديراس” عندما كان طفلاً في التاسعة من عمره، وهذا يعني بأن هناك الكثير مما يمكن أن يُكتب عن هذا الفيلم، وأيّ فيلم بعيداً عن الحكاية.
خلال متابعتنا لأحداث الفيلم، سوف نفهم بأن “سلفادور” مقتني لوحاتٍ فنية يظهر بعضها معلقةً على جدران منزله المُزدحم بالألوان المُتنافرة، ومن يدقق أكثر، سوف يعثر على لوحاتٍ من الفن التبسيطيّ، والبوب آرت، ورُبما إحدى لوحات الفنان الأمريكي “أندي وارول”، ... أقول رُبما. 
وهنا سوف يتساءل الناقد الفضوليّ المُهمل للحكاية، والمُنقب في الصورة:
ـ هل هناك أيّ تأثرات بهذا الفنان الذي أحدث ثورةً في الفنون؟
تطلبت الإجابة عن هذا السؤال بعض البحث في الأنترنت عن هذا التأثر، وكانت المفاجأة العثور على عددٍ وافر من الصور الشخصية/البورتريهات لـ”بيدرو ألمو دوفار”، يقف بمواجهة الكاميرا في لقطاتٍ كبيرة، وكأنه يستمع إلى إرشادات مصور في أحد محال التصوير الشعبية، أو كأنه يجلس في داخل جهاز فوتومان (التصوير الفوريّ)، يُنجز صوراً رسمية سوف يستخدمها من أجل بطاقة الهوية، او جواز السفر، أو كأنها أنجزت في مخفرٍ للشرطة كي تُوضع في ملفه   القضائي إلى جانب بصمات أصابعه، وعلى الفور، سوف نتذكر البورتريهات السينمائية (Screen Tests) التي أنجزها “أدي وارول” في الستينيّات لبعض المشاهير في وضعياتٍ مشابهة تقريباً لتلك التي اختارها “بيدرو ألمودوفار” في بورتريهاته، ومن هنا يمكن النبش في أفلامه، والبحث عن جانب من جوانبها الأسلوبية التي رُبما لم ينتبه إليها أحدٌ، أو على الأقلّ، المشهد النقدي العربي المُغرم بتلخيص الحكايات.