القضاء الأعلى يشكل هيئات تحقيقية ‏بحوادث التظاهرات

العراق 2019/10/24
...

بغداد / الصباح / عمر عبد اللطيف / مهند عبد الوهاب
استجابة لما ورد بتقرير اللجنة الوزارية العليا ‏بشأن التظاهرات؛ قرر رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان تشكيل هيئات للتحقيق ‏بحوادث مقتل وإصابة المتظاهرين والقوات الأمنية والاعتداء على وسائل الاعلام، في وقت تباينت فيه آراء الكتل السياسية بشأن تقييم التقرير، حيث دعا برلمانيون وخبراء أمنيون إلى التوسع وبصورة أدق في التفاصيل الواردة في التقرير المذكور لكشف الحقيقة كاملة أمام الرأي العام. 
وقال مجلس القضاء الأعلى في بيان تلقت "الصباح" نسخة منه: إنه "استنادا لأحكام المادة 35 / 3 من قانون التنظيم ‏القضائي، أصدر رئيس مجلس القضاء الاعلى بيانا بتشكيل هيئات تحقيقية في كل محافظة من ‏المحافظات التي حصلت فيها التظاهرات"، لافتا إلى أن "الهيئة الواحدة تتكون من ثلاثة قضاة ‏تحقيق وعضو ادعاء عام يتولون التحقيق بخصوص حوادث استشهاد واصابة المتظاهرين ‏والقوات الامنية والاعتداء على وسائل الاعلام وعلى ضوء ما ورد بتقرير اللجنة الوزارية العليا ‏المحال من الحكومة‎".
ودعا مجلس القضاء الأعلى، "المدعين بالحق الشخصي عن الشهداء والمصابين وذوي المفقودين ‏ووسائل الاعلام الذين تم الاعتداء عليهم إلى مراجعة تلك الهيئات كل حسب المحافظة الساكن ‏فيها، وفي حال تسجيل اخبارات سابقة لتلك الحوادث فإنه يجب على المحاكم المسجل لديها ‏ايداعها لدى الهيئات التحقيقية حسب الاختصاص المكاني للحادث لإكمال التحقيق فيها".‏
 
الأمن النيابية
إلى ذلك، قال عضو لجنة الامن والدفاع النيابية بدر الزيادي: إن "التقرير الوزاري الذي صدر بشأن التظاهرات؛ حدد الاشخاص والقيادات التي كانت السبب الرئيس في عدم القدرة على الادارة العسكرية بوقت التظاهرات، وبالتالي خصص التقرير القيادات".
وأكد الزيادي لـ "الصباح"، إن "تشكيل مجلس تحقيقي بعد قراءة التقرير هو الذي سيحقق بالجزئيات، بمعنى كيف حدث إطلاق النار، ومن هم الأشخاص الذين أطلقوا النار على المتظاهرين، ومن ثم يتم التوصل الى كل شخص قام بفتح النار".
وأضاف، إن "التقرير الأمني يعد خطوة أولية على طريق فتح تحقيقات موسعة وهو ما سيوصلنا الى الحقيقة، ولذلك يعد التقرير الامني خطوة إجرائية أولية، وننتظر تشكيل لجان التحقيق لمعرفة الأوامر والمراسلات الصادرة بين القيادات الأمنية المكلفة، لذلك لا يمكن الحكم على التقرير بشكله الحالي"، مبيناً إن "التقرير حدد الاشخاص المسؤولين فقط، ومن ثم سنعمل من خلال التحقيقات على كشف الحقيقة كاملة".
من جانبه، أبدى رئيس كتلة الجماهير الوطنية المنضوية في تحالف المحور أحمد المشهداني "تحفظه" بشأن التقرير الأمني، عاداً إياه "تقريراً إحصائياً".
وأضاف لـ "الصباح"، إن "التقرير اكتفى - وبخطوة جيدة - بمحاسبة القيادات الأمنية، وكنا نتمنى أن يصنف هوية المندسين وقتلة المتظاهرين الشباب، لذلك لم يكن التقرير بحجم التحديات الموجودة".
 
خبراء أمنيون
بينما لفت الخبير الأمني أحمد الشريفي في حديث لـ "الصباح"، إلى أن "التقرير فيه اختزال وإدانة فقط للقيادات العسكرية"، مبيناً إن "تحميل المسؤولية للقيادات العسكرية يعد بشكل أو بآخر إلقاء باللائمة على المؤسسة الأمنية والعسكرية من دون محاسبة اي جهة اخرى"، داعياً إلى إعادة النظر في التقرير".
وبين الشريفي، إن "اختيار المنظومة العسكرية كان عن طريق المنظومة السياسية والمحاصصة ما ولّد سوء إدارة للملف الأمني، وهو ما خلق نقمة جماهيرية أربكت في ظل الوضع الراهن في العراق".
أما الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، فقد بين إن "وجود رئيس مدني للجنة التحقيقية المكلفة بكتابة التقرير الأمني عن التظاهرات - وهو وزير التخطيط - أعطاه زخماً في الحياة ودقة وسرعة في الإنجاز".
وأضاف أبو رغيف لـ "الصباح"، إن "هذا التقرير ليس نهائيا، بل انه سيقطع شوطا آخر في القضاء العراقي"، معرباً عن اعتقاده أن "المدعين بالحق الشخصي سيتقدمون بالشكاوى على من وردت أسماؤهم في التقرير، وهناك أسماء اخرى سترد أثناء التعمق في التحقيق".
وبين أن "الامر سوف لن ينتهي الى هذا الحد بل جاء ليسهم بتهدئة المتظاهرين، بدليل إن ردود الأفعال خلال اليومين الماضيين كانت إيجابية نوعاً ما"، وأكد أبو رغيف، إنه "لأول مرة منذ 2003 ولغاية الآن ينجز تقرير حكومي بهذا الشكل، اذ تحولت فيه الحكومة من أسلوب المبني للمجهول الى المبني للمعلوم، وهذا نابع من الجرأة والصراحة والمكاشفة والتأثر تحت الضغط الجماهيري والمرجعي والإعلامي".
بدوره، أوصى الخبير الامني معتز محي، بتوسيع عمل اللجنة الوزارية وصلاحياتها والاستعانة بالأشخاص الامنيين المتقاعدين الذين لهم خبرة في التحقيق والمحاكم والتسجيل الجنائي وغيرها وخبرة واسعة في كشف الحقائق.
وأضاف محيي لـ "الصباح"، إن "هؤلاء الخبراء يمكن أن يستخرجوا معلومات أوسع مما طرح في التقرير، وإشراك محققين نزيهين لهم باع طويل في أمور التحقيق الجنائي وجمع الأدلة ومعرفة الأمور الفنية في استعمال الأجهزة الحديثة".
وأكد محيي، أن "اللجنة كان يمكن أن تكون أكثر فهما بأمور التحقيق خصوصا بالقضايا الفنية التي تتطلب معرفة ودراية في مسرح الجريمة وأخذ العينات الموجودة بعد اصابة المواطنين بعيارات نارية واستخدام القوة المفرطة ضدهم"، مؤكداً ضرورة إعادة التحقيق مرة ثانية، وأن يوصي بأخذ الجوانب المهمة جدا التي ينتظرها الشارع ولا يكون سطحيا يأخذ بالاعتبار الجوانب المهنية البحتة، خاصة ان رئيس اللجنة هو رجل غير عسكري أو أمني وإنما وزير تخطيط، وهو غير مؤهل لكشف الجوانب الامنية أو التحقيقية وليس له باع في هذا الموضوع".
 
حقوق الإنسان
عضو المفوضية العليا لحقوق الانسان فاضل الغراوي، كشف عن أن "المفوضية كانت لها فرق رصدية تتابع قضية التظاهرات ولها العديد من الملاحظات الخاصة بتعامل القوات الامنية سواء باستخدام القوة المفرطة او الاعتقالات ضد المتظاهرين، مما أدى الى سقوط العديد منهم شهداء وجرحى اضافة الى ملاحظة وتوثيق ما قام به جزء من المتظاهرين بضرب القوات الامنية أو تجاوز على الممتلكات العامة سواء بالحرق او التخريب".
وأضاف الغراوي لـ "الصباح"، ان "ذلك أدى الى اشكاليات تجاوزت حدود التظاهر السلمي، ليتم بعد ذلك تشكيل لجنة تحقيقية من قبل مجلس الوزراء وكانت المفوضية عضوا فيها بصفة مراقب، وبالتالي صدر التقرير الاخير الذي نطمح الى ان يكون بداية الطريق لإكمال التحقيقات، خصوصا ما يتعلق بإنصاف الضحايا من الشهداء والجرحى وإعطاء الدور الأكبر للقضاء باستكمال باقي التحقيقات وتقديم جميع الاشخاص الذين قاموا بضرب المتظاهرين أو من اعطى أوامر مهما كانت صفتهم بالدولة العراقية من قادة امنيين او جهات اخرى او عليا الى القضاء، وانصاف عوائل الشهداء والجرحى واطلاق سراح جميع المعتقلين السلميين الذين مازالوا قيد الاعتقال رغم لقاء المفوضية مع رئيس مجلس القضاء ووعده بإطلاق سراح الذين لم يثبت قيامهم بأي افعال جرمية في هذه التظاهرات".
وبين الغراوي، أن "المفوضية طالبت بأن تكون هناك علاقة ايجابية بين المفوضية والجهات الامنية والمتظاهرين، بغية تحقيق عملية التعاون المستمر وتطبيق معايير الاشتباك الآمن، وإعطاء فرصة ايجابية بأن تكون التظاهرات عنوانا للسلمية وحماية المتظاهرين والتركيز على استجابة تامة لمطالبهم المشروعة"، معرباً عن أمله أن "تكون هناك اجراءات اخرى لا تتعلق بتقرير اللجنة التحقيقية فحسب وإنما تتعلق بموضوعة المتابعة وملاحقة الاشخاص الذين ثبت قيامهم باستخدام القوة والرصاص الحي تجاه المتظاهرين، التي تمثل انتهاكا صارخا بحق الحياة والتظاهر السلمي بالنسبة للمتظاهرين".
وأكد الغراوي، ان "المفوضية لديها تقرير خاص في ما يتعلق برصدها الميداني لكل محافظة، وكانت لدينا احصائيات أشرناها تباعا وتوثيقات تتعلق بالرصد اليومي للتظاهرات وما حصل فيها بجميع تفاصيلها وجزئياتها، إذ كنا نركز على مدى التزام القوات الامنية بممارسة حماية المتظاهرين والتجمع السلمي، وفي ذات الوقت كنا نراقب ما يقوم به المتظاهرون في هذا الاطار، ونقوم بعملية جرد الاحصاءات كاملة"، ملمحاً الى "وجود تحديات تمثلت بحظر التجوال والاوامر التي صدرت من الجهات المعنية بعدم تزويد جميع الجهات بإحصائيات لحين اكمالها، الا ان المفوضية قامت بمقاطعة المعلومات والحصول على الاحصائيات وقدمنا تقريرا اوليا رسميا (تقرير المؤشرات) وقدم الى لجنة حقوق الانسان البرلمانية وأدرج فيه توثيق المفوضية في موضوع معايير الاشتباك الآمن والمسؤولية وفي ما يتعلق بموضوعة التظاهرات، وأشرنا في التقرير استخدام القوة المفرطة والرصاص الحي والغازات المسيلة للدموع والرصاص المطاطي، وان أغلب اصابات الشهداء والجرحى من المتظاهرين كانت مميتة سواء في الرأس أو العنق أو الصدر، وبالتالي فإن هناك ضربا مباشرا يمثل انتهاكات صارخة بحق الانسان في الحياة".
وشدد الغراوي، على عزم المفوضية، "إكمال التقرير الشامل الذي سيكون متكاملا لجميع المحافظات وفيه رؤية كاملة لما حصل فيها والتوصيات الموجهة الى الحكومة والبرلمان ومجلس القضاء وباقي الجهات والسلطات المحلية والامم المتحدة".
من جانبها، دعت لجنة حقوق الانسان البرلمانية، الى تشكيل لجنة تحقيق أخرى بشأن أحداث التظاهرات.
وطالب رئيس اللجنة أرشد الصالحي في مؤتمر صحفي عقده أمس الأربعاء، بـ "تشكيل لجنة محايدة تتولى تقصي الحقائق في الاحداث التي أودت بحياة المتظاهرين وإنزال القصاص في من أحدث الفوضى بين أبناء الشعب الذي طالب بالعيش الكريم والسكن اللائق"، وتابع ان "لجنة حقوق الانسان البرلمانية تطالب بالحفاظ على مؤسسات الدولة والاملاك العامة والخاصة لكي لا تشيع الفوضى".
 
كتل سياسية
وتباينت آراء الكتل السياسية بشأن تقرير اللجنة الوزارية العليا الخاصة بأحداث التظاهرات، إذ اعتبر ائتلاف دولة القانون، التقرير بأنه "غامض ومخيب للآمال ولم يستجب للتطلعات"، داعياً الحكومة إلى عدم اعتبار هذا التقرير نهاية لعملية التحقيق، بل بداية لمزيد من التحقيقات لكشف الملابسات.
وأضاف ائتلاف دولة القانون في بيان تلقته "الصباح"، أن "جميع المراقبين ينظرون باهتمام لمعرفة من خلف أحداث القتل الفظيع واصابة الآلاف بجروح وضرب وتهديد وسائل الإعلام"، متابعاً: "كلنا جميعاً مع قرار الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق وتحر لمعرفة من أطلق النار ومن وراء هذا الأمر، ولكن المؤسف أن التقرير المعد من اللجنة كان غامضا وملتبسا لأنه لم يستجب لتطلعاتنا لمعرفة مرتكبي هذه الأعمال الفظيعة"، بحسب تعبير البيان.
كما طالبت كتلة إرادة برئاسة مستشارة رئيس الوزراء حنان الفتلاوي، باعتقال الضباط الذين أدانهم التقرير النهائي للجنة التحقيقية الخاصة بأحداث التظاهرات "فورا" وإحالتهم على القضاء، مشيرة إلى أن "نتائج التحقيق ليست بمستوى المطلوب تماماً".
أما تيار الحكمة الوطني المعارض، فقد أبدى تحفظه "الكامل" على توصيات التقرير النهائي للجنة التحقيق بأحداث تظاهرات الأول من الشهر الحالي، معتبراً أن التقرير "لم يعالج الإشكاليات والتجاوزات ولم يكن بمستوى الأحداث ولم يلبِ طموح أسر الشهداء"، على حد قول التيار.
وعدّ ائتلاف الوطنية، التقرير "غير كافٍ ولا يتناسب مع حجم الأحداث"، بينما دعا إلى محاكمة علنية بحق المتورطين ‬الذين وردت أسماؤهم أو من لم ترد في تقرير اللجنة.‬‬‬
 
مجموعة نيابية
وفي الحراك السياسي والبرلماني، أعلنت مجموعة من النواب، أمس الاربعاء، تأسيس "التجمع النيابي للتصحيح والتغيير" في مجلس النواب، مؤكدين أن التجمع سيعمل على مساءلة الحكومة وتعديل الدستور.
وقال التجمع الذي حمل توقيع 39 نائباً في بيـان تلقت "الصباح" نسخة منه، انه "انطلاقا من معاناة شعبنا العظيم واستجابة لصرخات المتظاهرين ووفاء لدماء الشهداء والجرحى الطاهرة، نعلن نحن مجموعة من النواب المتواجدين حاليا في أروقة المجلس تأسيس (التجمع النيابي للتصحيح والتغيير)".
وأضاف، أن "التجمع سيعمل على مساءلة الحكومة العراقية عن الإخفاقات الامنية والخدمية مقدمة لاستجوابها، وتهيئة الأرضية الدستورية والقانونية لإجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد تعديل قانون الانتخابات وإعادة تشكيل المفوضية العليا المستقلة للانتخابات".