أثناء متابعة القنوات الخبرية لفت نظري خبر، أفاد أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أعلن عن تمديد حالة الطوارئ في مصر ثلاثة أشهر جديدة. الحقيقة فاجأني الخبر، فالأوضاع قد تغيّرت في مصر منذ أكثر من ستّ سنوات، شهدت خلالها انتخابات برلمانية ورئاسية ودستوراً جديداً للبلاد، وتحوّلات أخرى اقتصادية واجتماعية، والحياة عادية في القاهرة وعموم مصر، والعراقيون شهود على حركة الحياة واستقرارها في مصر، من خلال الرحلات اليومية التي لا تنقطع إلى تلك الديار، ومع ذلك لا يزال قانون الطوارئ سارياً منذ صيف عام 2013، ويُجدّد حتى الآن.
هذا مثال واحد فقط على أهمية حفظ النظام العام، وأمن الناس ومعيشتها واستقرارها، والعالم من حولنا مليء بسعي مكثف لحماية النظام العام، من كلّ ما يمكن أن يعكّر صفوه، ولستُ أعتقد إن إنساناً واحداً عاقلاً في العراق يشك في أن هذا النظام قد شهد تعثرات كبيرة خلال حوادث هذا الشهر، لاسيّما في الناصرية والعمارة والكوت وبقية المدن، تهاوى بعضها إلى مشاهد مروّعة، ما يتطلب إجراءات سريعة للحؤول دون التداعيات.
لكن هذه الفكرة المحورية في الحياة العراقية تستدعي مجموعة ملاحظات، يرتبط أولها بمفهوم حفظ النظام العام، الذي يُقصد به عادة الحفاظ على استقرار أوضاع الناس، وممارستهم حياتهم اليومية دون معوّقات تتهدّدها، من فوضى واضطرابات وإرعاب، أو ما يُطلق عليه «الهرج والمرج» بلغة الأقدمين.
تضعنا الملاحظة الأولى أمام ملاحظة ثانية، هي ان المقصود بحفظ النظام العام ليس حفظ الدولة وحدها، فالدولة جزء من النظام العام، وبالتأكيد ليس المقصود حفظ النظام السياسي، فالنظم السياسية وُجدت لكي تتطوّر وتتغيّر وتتكامل لما فيه مصلحة الناس، ولما يُحقق لهم الاستقرار المنشود أو النظام العام، الذي هو أشمل من الدولة والنظام السياسي، مع ما لهما من تأثير فعّال في حفظ النظام العام، بخاصة الدولة.
الملاحظة الثالثة؛ لا أقصد من سوق المثال المصري الدعوة إلى إعلان الطوارئ أو عدم الإعلان، لاعتقادي الجازم أنها مسألة تخصّصية، يعود تقدير إعلانها من عدمه، إلى تقديرات المختصّين في الأجهزة المعنية.
الملاحظة الرابعة؛ ما فهمته من بيان مرجعية النجف الأشرف في خطبة كربلاء الجمعة الماضي، أنها في الجوهر والصميم، دعوة شرعية إلى حفظ النظام العام، ربما لا تقلّ في ثقلها الفقهي، وحمولتها الاجتماعية، عن فتوى الجهاد الكفائي، وقد تتطوّر لاحقاً إذا تدهورت الأمور، إلى فتوى منهجية منظمة، بوجوب حفظ النظام.
الملاحظة الخامسة تنظر إلى مرتكز حفظ النظام العام؛ والمرتكز في الوجوب ببساطة واختزال شديدين، هما العقل والشرع معاً، فكلاهما يوجبان حفظ النظام، ولو من باب التلازم بين حكم العقل والشرع. والوجود والوجدان، والحاضر والتأريخ، وتجارب الناس والشعوب والدول والأمم تؤكد بأجمعها، أن حفظ النظام العام مسؤولية عقلية وحياتية وشرعية.
الملاحظة الأخيرة، وربما هي الأهمّ، أن مسؤولية حفظ النظام العام في بلدنا تقع حتى اللحظة على عاتق الدولة، بمعونة الجميع كلّ من موقعه، لكن إذا عجزت الدولة وانزلقت الأمور وتخلفت أجهزة الدولة عن الوفاء به، انتقلت إلى الجميع على نحو الواجب الكفائي، والله المستعان.