عبد الجبار العتابي
يعتقد الكثيرون ان اغنية "الريل وحمد" التي غناها المطرب ياس خضر (تولد 1938) وهي من كلمات الشاعر مظفر النواب (تولد 1934) والحان محمد جواد اموري (1935 – 2014) ،هي على لسان (رجل) ، لاعتبارات منها عنوانها الذي فيه اسم (حمد) فضلاً عن ان شاعرها رجل ومغنيها رجل ايضاً،
وفي الحقيقة انها على لسان (امرأة) ، خاصة ان الاغنية معروف عنها انها تمثل (حالة عشق) ،بدلالة مقطعها الاول الذي يقول "مرّينه بيكم حمد ، واحنه ابقطار الليل واسمعنه، دك اكهوه ..وشمينة ريحة هيل" وكذلك قول المرأة في القصيدة "آنه ارد الوك الحمد .. ما لوكن لغيره/ يجفّلني برد الصبح ..وتلجلج الليره)"وايضاً قولها متغزلة "جن حمد..فضة عرس/ جن حمد نركيله/ مدكك بي الشذر/ ومشلّه اشليله" فضلاً عن مقاطع اخرى تؤكد ان القصيدة على لسان امرأة عاشقة وان كانت بعض مفرداتها توحي ان قائلها رجل ، وهذا ليس غريباً، لان من كتبها رجل !!.
قد يكون ما ذكرته مهماً ، لكن الطريف في الامر ان اغلب من غنى الاغنية هم من الرجال واشتهرت بهم مثلما اشتهر البعض بها ، وكان من المفروض ان تغنيها مطربة ، أي في الاصل كان من الممكن ان تكون اغنية لمطربة، فتنطلق بها خاصة في ذلك الوقت الذي يزخر بالعديد من المطربات، لاسيما ان القصيدة انطلقت بشهرتها منذ اواخر الخمسينيات ونالت في الستينيات حظوة جيدة من الاستحسان والشهرة قبل ان يلحنها اموري ويقدمها الى ياس خضر ليغنيها العام 1971 ، وان كان هنالك سؤال لا يمكن الاجابة عنه حالياً هو : لماذا لم يختر اموري مغنية لتغنيها ؟ الا ان الجواب المؤكد ان اموري اختار ياس خضر مع سبق الاصرار، لانه هو الذي اكتشفه العام 1967، وقدم له اولى اغانيه ومن ثم تمسك به، لأنه وجده صاحب موهبة كبيرة.
علماً ان القصيدة كُتبت بين عامي 1956 – 1958، ونشرت في الستينيات في مجلة المثقف العراقية،وهي أول قصيدة بالعامية نشرها النواب ، مع تأكيدات ان المطرب جعفر حسن (تولد – 1944) هو اول من لحن القصيدة ومن ثم غناها ،وعلى لسانه يقول (انا ملحنها الاصلي) ويضيف موضحاً (أنا لحّنتها أوّل واحد في سنة 1965 وكنت ما أزال طالباً في المعهد. لحّنتها في عام 1965 وأخذت اللحن وذهبت إلى الإذاعة، واللجنة وافقت على اللحن فوراً وقالوا بأنّ هذا اللحن فيه نفس جديد من الغناء العراقي لكنّهم رفضوا تسجيله بسبب وضعي في نيسان 1965 وكنت مفصولاً وكان عندي صبغة
سياسيّة).
الاغنية ،غنتها فيما بعد اصوات عديدة رجالية ونسائية ، وهذا ليس مهماً ،لان نجاحها دفع الاخرين والاخريات الى ترديدها بحثاً عن الشهرة ربما او لكسب الاعجاب مثل الكثير من الاغاني الناجحة ، وهناك من قام بتلحين القصيدة على غير ما لحنها محمد جواد اموري ، مثل حميد البصري وكوكب حمزة، لكننا سنتوقف امام لحن حميد البصري الذي غنته المطربة شوقية العطار بصوتها العذب ،ومن ثم نتساءل هل كان لحن اموري صعباً لكي لا تغنيه مغنية آنذاك ام ان هناك اسباباً اخرى . . تقول المطربة شوقية العطار : لم أجد اية صعوبة في غناء (الريل وحمد) بل على العكس من ذلك شعرت بأن الشاعر الكبير مظفر قد كتب تلك السطور عن لساني معبراً عن أعماق شعوري وهذا واضح من خلال
ادائي.
فيما اجابت ابنتهما المطربة بيدر البصري عن سؤالي عن الفيديو الذي نشره والدها على صفحته في الفيس بوك ، قائلة :هو مزيج بين الريل وحمد وتضمين اضافة الشاعر عبد الرضا الأسدي فهو صورة للواقع الحالي لمنطقة الاهوار .
اما الملحن الجميل كوكب حمزة فقد لحن الاغنية ايضاً ليغنيها المطرب الشاب علي رشيد ، مؤكداً أنها كانت مصدر فرح لشاعرنا مظفر النواب عندما سمعها. وقال : اعتقد باني سمعت مغنية قد غنتها بلحن المرحوم محمد جواد اموري الذي أعطاه إلى ياس خضر في حينها ، وآنذاك كانت المغنية المبدعة الراحلة مائدة نزهت . واضاف: اعتقد ان سبب عدم محاولتها (مائدة نزهت )غناء هذه الأغنية هو قيمة أخلاقية، لأنها آنذاك تعتبر سطواً . وحين سألته : هل تعتقد ان الاغنية صعبة على صوت المرأة سواء بالحانك او محمد جواد اموري اجاب قائلاً : لحن الراحل اموري سهل جداً و تستطيع أي مغنية ان تؤديه ببساطة ولا اظنه فكر بغير ياسخضر..اما عن اغنيتي فصوت (علي رشيد) قوي وجميل ثم انه ضليع بالمقامات وعندما لحنتها و سجلتها كنت في سوريا ولم تكن هناك مغنية عراقية آنذاك.
من جانبه اكد المطرب جمعة العربي : ان كثيراً من الاغاني تخضع لعامل المزاج، ثم قال موضحاً :احياناً شكل الاغنية لا يوحي ان يغنيها رجل او امرأة ، خاصة ان الاغنية لم تكن مشهورة بعد ، أي انها لم تكن معروضة ومسموعة، فيكون شكل الاغنية مثل المقام العراقي الذي لم تغنه الاصوات النسائية، لان فيه تفاصيل وفيه شكل القالب الغنائي وهذا يكون قريباً من الرجل على الرغم من ان الكلام نسائي ، وهذا لا يمنع ان لا يكون محبباً عند المطربات اللواتي يسمعن مثل هذا العمل .
وقال المطرب الدكتور جواد محسن : ربما لان طبيعة اللحن لا تنسجم مع حنجرة المرأة الرقيقة. واضاف: كل اغنية تخضع لعدة معايير فنية وذوقية في حالة الرغبة في اعادتها من مطرب اخر ، واول هذه المعايير انسجامها مع طبيعة صوته ،فلكل مطرب مساحة صوتية وقوة دفع ولون يختلف به عن الاخرين ،ويختلف المطربون كذلك باللون الغنائي الذي ينسجم مع شخصياتهم وتابع: اعتقد ان اغنية "الريل وحمد" كان ينبغي ان تؤدى بصوت نسائي ..لكن غناء ياس خضر المميز لها جعل التفكير بها من قبل الاصوات النسائية مستبعداً ،حتى لايضعن انفسهن في مقارنة صوت ياس خضر الذي اداها بابهار واتقان.