{هاوية} .. عبور مخيف نحو أفق مجهول

الصفحة الاخيرة 2019/10/29
...

حسين السلمان 
 
واضح ان فيلم “الأنيميشن” جذاب ومثير،  وهو يشكل مغامرة وتحديا جريئا، ولهذا نجد ان مخرجا مثل سليسبيرغ ينجذب اليه فيصنع فيلمه المثير “تان تان”،  وكلنا يعرف ان  الافلام المتحركة، أصبحت  لازمة لمسابقات المهرجانات السينمائية الكبرى .
 

الحكاية
فيلم  “هاوية” للمخرج سامي كاكا، يتحدث عن هجرة  عائلة من موت في داخل الروح الى موت آخر في داخل المجهول،  فمن أتون الحرب  تخرج شخصيات الفيلم  وهي تحمل عبء سنين عجافا في رحلة يمكن وصفها برحلة الأجيال كاملة، اذ لم يبق من جذر لهذه العائلة في موطنها
، فمن وسط ظلام دخان الحرب تتجسد قصة ندرك جميعنا كل تفاصيلها وأبعادها، “الهاوية” الذي كتب قصته بشتوان عبد الله، تضمن روحا إنسانية نبيلة المعنى والهدف، بما قدمه من أفكار وتوجهات جاءت متناسقة في حكيها عبر بناء قصصي جيد تجسد بسيناريو متماسك في الكثير من مفاصله 
الحكائية . 
 
الصورة بسردها
اهتم الفيلم في بنائه على ايجاز مفيد للدخول مباشرة في الحدث من خلال تضادات في الشكل التعبيري للأحداث، فجاء كامل البناء طبقا لاشتراطات البناء العمودي  ووفقا لمفهومية الوحدات التقليدية  في السرد الأدبي ، وهذا تابع لهم في اختيار هذا الشكل من دون غيره ليكون اكثر مواءمة مع الحدث، ويمنحه أبعادا حداثوية على صعيد السرد الصوري،  خصوصا وهم    يصنعون فيلما يعشق الجنوح الى الخيال أكثر مما يذهب الى حرفيات الواقع التي لم تضف شيئا  سوى عرض مأساة مريرة نعيشها كل يوم في داخل أرواحنا وفي 
خارجها . 
يتمحور الفيلم في نقطتين هما :العبور ( وهو المشهد الأساس الذي تمركز الاشتغال الفني عليه )، والثانية هي الصدمة،  اي ما  لم يكن في الحسبان (الذي تجسد بجمال فائق من خلال غلق وفتح العيون ، وهو مشهد مثير في جانبين مهمين  على الصعيد النفسي والفكري )
 إيحاءات
اعتمد الفيلم في التعبير السينمائي على جملة من الإيحاءات المهمة منهما : اللون الذي تحول الى فكر متجدد ليعكس الحالة الفكرية لكل مشهد ( في البداية طغى اللون الأسود القاتم تعبيرا عما يعتصر في قلوب الشخصيات ) لكنه بعد مرحلة العبور اتسم بألوان أخرى ( الأصفر ، الأخضر ..) وهي حالة تحول للأفكار عبر اللون، ثم  ينتقل الى استخدام آخر وهو تجريد المكان ، وهذا يدعو الى التفكير في كل التأويلات التي تضمنها الفيلم، مثلما فعل مع اللون، الذي تحول طبقا لمجريات السرد من الكآبة الى الفرح بخلق كتلة لونية من الأخضر وتصاحبه زقزقة الطيور، وهنا تظهر حالة تشير الى أن الفيلم بقصته واسلوبه قدم متعة؛ وهي واحدة من اشتراطات لنجاح
 الفيلم .
  استخدام الفيلم اساليب عديدة لطرق سردية وحالات فكرية متنوعة،  فعلى صعيد البناء، اعتمد المخرج سردا خطيا، لكنه يتنقل مسرعا من وحدة الى أخرى عبر استخدامات رمزية ، يريد منها مواكبة البناء الحديث للفيلم الجديد، الا ان هذه الطريقة  تنزاح من موقع لآخر، متمظهرة   بمستويات متعددة منها: استخدام اللعبة ( ظهرت بلقطة تأكيدية قبل سقوطها وتشتتها في دوامة مذهلة )، ومن هنا يندرج الرمز في دوامة اللعبة ، التي هي اشارة دلالية على البراءة ، وهي ايضا تنفتح على مستقبل غامض ومجهول، وهو مستقبل مطروح على قارعة الطريق. فمن الأشياء التي تجعل العمل الإبداعي مثيرا،  هي  قدرته على خلق أشكال غير متوقعة، تحمل في ذاتها قدرة في التجدد وفي الإدراك 
والاستيعاب.
اهتم صناع الفيلم  بخلق نهاية مثيرة، تميزت بتناسقها التعبيري، التي تعد نهاية مفتوحة كان لها تأثير جيد على  خلق حالة من التأمل لمجمل دلالات
 الفيلم .
   ثمة اهتمام خاص بنهاية الفيلم، على الرغم من أنها لا تشغل مساحة كبيرة من زمنه، فهو(الزمن)  ليس ضروريا بامتداده،  بقدر ما يكون فاعلا في تأثيره، لان الهدف من تصاعد الأحداث والصراعات وتشابكها، هو الوصول بالمتلقي الى بلوغ نهاية لا يمكن توقعها، وعليه    فالنهاية اتية وهي محملة ،ما يجعل المتلقي يرى ما يريحه ويتقبله،  وبذا تكون للنهاية  قيمة درامية وفعل يتضمن تأثيرا قويا .
 
تناص
وأخيرا أشير الى أن الفيلم يتناص بشكل كبير مع لوحة كاريكاتير للرسام السوري ياسر احمد، بعنوان “نزوح” التي  تجسد عبور عائلة من أربعة أشخاص يسيرون على فوهات البنادق، اذ ان     شخصيات الفيلم،  نازحة، مهاجرة الى مصيرها المحفوف بالمخاطر .