الشواخص والحركة المتوازية

الصفحة الاخيرة 2019/10/30
...

 
جواد علي كسّار
 
استذكر واقعة لا أقصد من ورائها التشويش أو الإثارة أو المباهاة، فاللحظة العراقية الحاضرة لا تحتمل بحرجها ودقتها شيئاً من هذا القبيل. الواقعة ببساطة أنه في الأيام الأولى من تسنم د. صلاح عبد الرزاق موقعه محافظاً لبغداد سنة 2009، عرضت عليه فكرة الشواخص، التي أوضحتُها كما يلي: تستطيع أن تكسب ثقة الإنسان البغدادي من خلال شواخص مادية في الإنجاز، تملأ عين المواطن، وتبعث فيه الرضا من أن عملاً حقيقياً قد أُنجز في عاصمته.
أوضحت الفكرة بأمثلة، فقلت للمحافظ يومها إن الذاكرة البغدادية ترتبط علاجياً بمدينة الطب، وبمقدوره إنشاء مدينة طب جديدة، أحدث من الموجودة وأرقى منها. كما ترتبط الذاكرة الجامعية بجامعة بغداد في الجادرية، وبالإمكان تأسيس مدينة جامعية جديدة من عمادات وكليات وأقسام داخلية وسكن أساتذة وأسواق وما إلى ذلك، لتباهي المنشأة الجديدة، الجامعة القديمة، وتكسب عملياً ثقة الناس. كما يمكن أن يكون الشاخص مجمعاً سكنياً ضخماً، تتكامل فيه الخدمات على غرار ما حصل بعد ذلك في مجمع بسماية السكني.
الأمثلة كثيرة والمقصود منها جميعاً أن يشعر المواطن بوجود حركة لصالحه على الأرض، من خلال هذه الشواخص المادية الواضحة، تترك أثراً معنوياً في نفسية الإنسان، تعزز ثقته بوجود خدمة وعمل حقيقي.
هذا محض مثال بسيط ومن المؤكد أن هناك عشرات الأمثلة الأخرى، قد يصطدم بعضها بتداخل الصلاحيات بين المحافظة والأمانة، وبالإمكانيات والموازنات والمخصصات المالية وما شابه، من المعوقات التي تقترن بالأعمال دائماً، فما من عمل إلا وله معوّقات.
قد يقال أن الوقت قد تجاوز هذه الأفكار وغيرها من المقترحات، وهذا أمر صحيح إجمالاً. وما أقصده من هذا المثال ليس المثال بعينه، إنما العبرة المرجوّة منه؛ هذه العبرة التي تفيد وببساطة شديدة، أن بمقدور المسؤول أن يكسب ثقة مواطنيه من خلال شواخص مادية مُنجزة، تملأ عين ووجدان الإنسان، وتتحوّل إلى حافز معنوي لثقة المواطن، يحثّه على الصبر والتحمل الإيجابي، لأنه يرى عملاً منجزاً على أرض الواقع، فيصبر ويتحمل.
السؤال الأبرز في أفق هذه الفكرة، هو: هل يمكن لحزم الحكومة وإلى جوارها القرارات النيابية، التي راحت تتوالى خلال الأيام الماضية، أن تكون بمنزلة الشاخص أو الشواخص المطلوبة؟ ما أراه أننا بحاجة إلى حركة متوازية تتحرك بأكثر من اتجاه، أحد أبعادها في الاقتصاد وتيسير معيشة الناس، وبُعد آخر أمني لحفظ النظام العام، وبُعد إعلامي يستند إلى الوضوح والمكاشفة، ولو جاءت قاسية أحياناً، وبُعد سياسي يمارس الإصلاح السياسي، هكذا إلى بقية الحلقات التي يمكن أن تتفاعل ما بينها، لخلق بيئة اجتماعية وانسانية ومعيشية مستقرة، تستنفر طاقات الناس، وتدفعهم إلى الانتاج والعمل.
ينبغي أن لا تخيفنا الحركة المتوازية حتى في الجانب السياسي الذي يرتبط بنظام الحكم، لأن النظم السياسية وسائل، وُجدت لكي تتطور وتتغير وتتكامل بما يخدم الناس، ولا معنى لتقديسها أو الجمود عليها.