قطيعة جماليَّة بين التشكيل وعدسات الكاميرا التلفزيونية

الصفحة الاخيرة 2019/11/01
...

بغداد / هيفاء القره غولي
 
مثلما الترجمة، تعد خيانة للنص، مهما بلغت من دقة في النقل بين لغتين، يجد التشكيليون في التصوير التلفزيوني أثراً غير مستحب على الوان لوحاتهم وتقاطيع منحوتاتهم ولمعة الخزف
قال الفنان هيثم حسن: «دقة الالوان تعد اختباراً لمهنية المصور والمخرج وعموم فريق النقل التلفزيوني» مؤكداً: «الحفاظ على جمال العمل وهيئته، مهمة ثقافية وأمانة أخلاقية، يجب ان يحرص عليها التلفزيونيون».
وأضاف: {تلزمنا الضرورة بالاعلام المرئي والمقروء، لكن حسابات الجدوى أشد ضرورة}.
وتابع أمين سر جمعية التشكيليين قاسم حمزة: {في بعض الاحيان التلفزيون يضر العمل التشكيلي؛ بسوء استخدام إضاءة غير مناسبة» مشيراً الى ان: «اللوحة تحتاج جواً عاماً، ذا اضاءة طبيعية.. بيضاء، وأي إزاحة لونية في مصدر الضوء تشوه اللوحة او القطعة
 الخزفية}.
وحدد عميد كلية الفنون الجميلة في جامعة بابل الفنان د. فاخر محمد: {التلفزيون بالدور الاعلامي حصراً» وأكد: «نقل خبر.. متابعة عن افتتاح معرض، أما أكثر من ذلك، ذهاباً الى التفاعل مع قيمة العمل الفني، فهذا شأن مرتبط بالعناصر والمواد والالوان، وهي كلها تحتاج تلقياً مباشراً».
وأضاف: {اما التصوير المتخصص بالتشكيل، فيتطلب لوحات ذات مواد وألوان تتفاعل مع عدسات الكاميرا التلفزيونية، بحيث تجعل التصوير يتوهج بالالوان” وأعطى إنموذجاً: «لوحات فان كوخ، كلنا مطلعون عليها تلفزيونياً، وجدتها تختلف تماماً عن اللوحات الاصلية عندما رأيتها مباشرة.. بالعين المجردة.. رؤيتها متعة أخرى مضافة
 تذكي الذائقة».
وتأمل امين سر نقابة الفنانين المخرج التلفزيوني د. علي حنون، فكرياً: «تتوزع اللوحة بين كل وأجزاء” مبيناً: «علينا ان نوصل، من خلال اللقطة العامة، رؤية كاملة للوحة، سواء أكانت طبيعة ام تكويناً ام غير ذلك من الموضوعات}.
وأوضح: {يحسب المخرج التلفزيوني، طبيعة التكوين العام للقطة، عند تغطية المعارض التشكيلية، آخذاً بالاعتبار العلاقات بين الكتل وموقعها بالنسبة لمركز اللوحة وتدرجات الالوان، وهذا يتحقق.. كما قلت.. من خلال اللقطة العامة” مواصلاً: «وإذا قصد الرسام إبراز شكل ما داخل اللوحة؛ فنستخدم اللقطة القريبة؛ للتركيز على المراد، وإيصال ملمس اللوحة».
يرى د. حنون، انه بهذا يحقق: {المصداقية في الرؤية التلفزيونية للفن التشكيلي، امام المشاهد” لافتاً، الى ان: “موضوع اللوحة شأن يخص رسامها التلفزيوني الاخباري يعنى بالمعادل
 الصوري للخبر.. بغض النظر عن التقييم الفني، اما الريبورتاج الثقافي، فصنعة تنمو بموازاة المعرض والسيرة التشكيلية.. على حد سواء” داعياً الى التمييز بين التحقيق والخبر: {الخبر لا يطرح قضية ويسعى الى
 ايجاد حل..
وبدوره قال الفنان د. جواد الزيدي: “تفقد اللوحة الوانها تلفزيونياً، ففي التغطيات الاخبارية، يأخذ المصور غير المحترف لقطة عامة ويغادر؛ لأنه غير معن بالقيمة الجمالية للوحة او المنحوتة او القطعة الخزفية» متجهاً الى المشاهد: {عندما يتأمل عملاً تشكيلياً من خلال التلفزيون، فإنه يرى ما لا يمثل
 الفنان الاصلي».
وجه د. صباح الموسوي نصيحة للمصورين: {من الخطأ تصوير اللوحة كاملة تلفزيونياً، يجب ان يتعامل معها كموضوع فني، مركزاً على الاجزاء التي تدعم المحور المقصود، بانتقاء التفاصيل التي تدعم تقريره} مفيداً: «هناك تقارير تلفزيونية تبنى على التشكيل، تمسك بخيط سردي مدعوم بالوان وموضوعات تشتغل عليها، نسميها أكاديمياً “افلام الفن” تتناول عملاً من خلال وسيط.. بحساسية متوازنة، لا تغلب عنصراً على آخر، وهذا ما أجاده بسام الوردي في فيلمه الوثائقي “حكاية للمدى” عن سيرة حياة القاص والنحات الراحل
 يحيى جواد}.
متذوقاً نوه محمد العامري: {غالباً ما يصدمني التلفزيون، بصورة باهتة، للوحة شاهدتها من قبل، متألقة في معرض” ورجح رشيد رياض مصطاف: “تأتي الاعمال التلفزيونية، مغايرة لحقيقتها اللاهثة.. فعلياً.. بالجمال وقوة اللون واسقاطات الموضوع، خير من ألا تجيء؛ لأن موجودات المتاحف التشكيلية العالمية، يتعذر علينا بلوغها؛ فـ “إنعم الله” على التلفزيون يطلعنا على الحد الادنى من سحر جمالها وهيمنتها على البصر والذائقة، كما أسمع ممن زاروا اللوفر وسواه}.
وذكر نصير الاسدي، ان: {معالجات التلفزيون تضيف للعمل التشكيلي؛ فغالباً ما ارى منحوتات من زوايا ينتقيها المخرج او يلتقطها المصور، تعطي للعمل قيمة مضافة” مستطرداً: «فالعين البشرية قاصرة عن الاحاطة بالمنحوتات واللوحات وجداريات الرليف – البارزة، بينما عدسات التلفزيون تكور المشهد أمامه، محيطة بالمعطى الفني في إنشاء
جمالي مضاف}.