فداء سبيتي
لطالما كانت اللوحة الفنية مسرحا عبر فيه الفنانون ليس فقط عن جماليات الحياة وتفاصيلها في اللوحات التاريخية، البورتريه، العري، أو المنظر الطبيعي انما أيضا عن هواجسهم وأحلامهم، عن قناعاتهم الدينية، الاجتماعية والسياسية، عن الأنا والفلسفة والايديولوجيا والعلوم. يلجأ الفنان الى رموز واشارات هي للناظر مثل المفتاح لقراءة المضمون. إن هذا البحث الملخص يلقي الضوء على هذا الموضوع وخاصة ما احتوته منها رسوم الحرب والسلام.
في العصور الوسطى تغلبت المواضيع الدينية على الفن الأوروبي، ولقراءتها تم حديثا تطوير نظرية الايكونوغرافيا والإيكولوجيا والتي اعتمدت على قواعد وخلاصات معينة لفك شيفرة العمل الفني، فوردة الزنبق في يد مريم ترمز الى عفتها والتفاحة في يد يسوع الطفل الرضيع الى خلاص الانسان. في العصور التي تلت لم تخل الرسوم من الدلالات الرمزية الفلسفية والعلمية فمدرسة أثينا لرفاييل 1510 ترمز الى عناصر العلوم الأساسية: الميتافيزيق، فلسفة الطبيعة، الثيولوجيا والسحر. كذلك الأمر في عصر الباروك في لوحة بيتر بأول روبنس نرى أجزاء العالم الأربعة 1614، متمثلة بمجموعة من النساء والرجال شبه العاريين، الرجال يمثلون أنهار عالمية وهي النيل، الدوناو، دجلة والأمازون ونساؤهم القارات أفريقيا، أوروبا، أسيا و أميركا، يساعد في فهم المضمون دلالات وسمات كلون البشرة، الزي والحيوانات المرافقة. في لوحة الفنان كارل دافيد فريدرش اثار دير في غابة سنديان 1809 تظهر الأشجار عارية من الورق كهياكل عظمية محترقة لترمز الى الموت.
بالرغم من التغيرات السياسية، الاجتماعية والثقافية التي نتجت في القرن العشرين ورغم تطور وتعدد الدارس الفنية وتحرر الفنانين من القيود في البناء والتعبير لم تخل الأعمال الفنية التشكيلية من الرموز. هكذا استعار جورجيو شيريكو للوحته ذات التأليف الميتافيزيقي 1914 شكل القدم لتشير الى زرادشت و”الخطوات الراقصة التي تحرك الحياة”, اشارة الاكس الى غموض الذات، البيضة كرمز الحياة وأخيرا الرسالة المغلقة التي يختبئ فيها سر قدر الأنسان. في لوحة اصرار الذاكرة 1931 لسلفادور دالي تشير ساعة الجيب والنمل النشط الموجود فوقها الى الذاكرة النشيطة، على عكس الساعات الذائبة الأخرى، اما الرأس الممدد بغرابه فهو يمثل النوم الذي يعيق عملية انتفاضة الذاكرة.
أما في مسألة الحرب والسلم فتتعدد الرموز وتتشابك. من السائد أن غصن الزيتون هو من رموز السلام، الا أنه في الكثير من الأعمال الفنية يظهر مرافقا للحرب و للانتصار. ففي منحوتة لويس تايون المنتصر 1899 تظهر الحرب بمثابة فارس يحمل غصن الزيتون عاليا. في أعمال أخرى تبدو نفسها كقوة الهية وعقوبة للعدو، ويرمز لها بالقديسين المحاربين كميشال وجورج. خلال الحرب الفرنسية-الألمانية رسم غوستاف دوري لوحة مارسيليا 1870 وعبر فيها عن الحرية والانتصار وذلك من خلال صورة الفرد الذي يترأس المجموعة خلفه وهو يبدو كما لو أنه يمشي من دون أن تلامس أقدامه سطح الأرض وهو رمز الفخر، في يده الشمال العلم الأحمر وفي اليمين السيف رموز الحرية. بالمقارنة مع ما رسمه قبله أوجان ديلاكروا الحرية تقود الشعب 1830 يمكن استنتاج تشابه باستثناء رفع العلم الفرنسي والسلاح. في مخطوطة السلام الهش 1889 لفنان غير معروف يبدو السلام كامرأة مستلقية على الارض في وضع جانبي وهي بكامل جاذبيتها بلباس يوناي تلقي على رأسها (بكسل) غصن من شجرة النخل وتسترق النظر بإطراء ولا مبالاة لشخص خلفها شبه جالس على غيمة ليست بالبعيدة عنها، متزين بلباس الفارس، يضع يده اليسرى على سيفه وعلى اليمنى يلقي رأسه بهدوء يوحي بنوم حذر، انه رمز الحرب. في هذه الرموز يستشف الناظر فكرة تقارب الحرب والسلام وعلاقتهما التناقضية.
ان طائر الحمامة كرمز للسلام أضافه الفنان بيكاسو حديثا على القائمة وذلك من خلال مطبوعته الأولى الحمامة 1949 التي اختيرت كملصق للمؤتمر العالمي الأول للسلام، وتعتبر منذ ذلك الحين رمزا شعبيا عالميا. ان المعنى السابق للحمامة كان مرتبطا بمعاني الدين المسيحي والروح القدس.
أما طائر الهدهد وهو طائر النبي سليمان المفضل فنراه في لوحات معاصرة أيضا كرمز للسلام، كما في سلسلة لوحات الفنانة العراقية المعاصرة هناء مال الله تحت عنوان شيئا ما اختبرته 2013 . في تلك اللوحات تعبر عن رسالة السلام من خلال تناسق الأضداد: هدهد وغصن زيتون، اثار دماء وعنف وغيرها من الرموز التي يطيل شرحها، وكل ذلك على صفحة بيضاء، الأبيض الذي ان كان سيرمز لشيء فللأمل ببدايات سلام جديدة.